يمر الحمل بعدة مراحل تحمل معها تغيرات نفسية وعاطفية معقدة، حيث تؤثر التقلبات الهرمونية على المزاج والسلوك اليومي للمرأة الحامل. بين القلق، التوتر، والاكتئاب، تصبح الحاجة إلى دعم عاطفي واجتماعي أمرًا ضروريًا لضمان صحة الأم والجنين.
في هذا الدليل الشامل، سنتناول بالتفصيل التغيرات النفسية أثناء الحمل، من الأشهر الأولى حتى الشهر التاسع، ونقدم أفضل الطرق للتعامل مع القلق والتوتر خلال هذه الفترة الحساسة.
![]() |
| صورة توضح التقلبات النفسية أثناء الحمل وتأثير الهرمونات على الحالة المزاجية |
ما هي التغيرات النفسية أثناء الحمل؟
تحدث التغيرات النفسية للحامل نتيجة ارتفاع هرموني الإستروجين والبروجستيرون، مما يؤدي إلى اضطرابات مزاجية تشمل القلق، الاكتئاب، والتوتر. تختلف شدة هذه التقلبات حسب كل مرحلة من الحمل، لذا من المهم فهم ما يحدث في كل ثلث من الأشهر التسعة.
الحالة النفسية في الثلث الأول من الحمل (الأشهر 1-3)
يعد الثلث الأول من الحمل مرحلة حساسة بالنسبة للمرأة بسبب التغيرات الهرمونية الكبيرة، خلال هذه الفترة، ترتفع مستويات هرمون الإستروجين بشكل كبير، مما يؤدي إلى تقلبات مزاجية نتيجة ارتباطه بمادة السيروتونين في الدماغ، فتشعر الحامل في الشهور الأولى من الحمل بقلق مستمر، واجهاد نفسي وجسدي.
- القلق المستمر: تتزايد المخاوف بشأن صحة الجنين، خاصةً مع ارتفاع معدلات الإجهاض في هذه المرحلة، التي تصل إلى حوالي 20%، هذا القلق يمكن أن يكون مزعجًا، لكنه طبيعي تمامًا.
- التغيرات العاطفية: تضخم المشاعر والبكاء لأسباب كانت تعتبر بسيطة من قبل هو أمر شائع جدًا لدى الحوامل، تصبح العواطف في هذه المرحلة أكثر حدة وسرعة، حيث أن المواقف التي لم تكن تؤثر على الأم من قبل قد تثير الدموع وتسبب الاكتئاب والغضب.
- الاجهاد النفسي والجسدي: تأثير الإجهاد لا يقتصر على الحالة النفسية فقط، بل يظهر أيضًا من خلال أعراض جسدية مثل الغثيان والقيء.
الحالة النفسية في الثلث الثاني من الحمل (الأشهر 4-6)
مع استقرار الهرمونات، تبدأ المرأة بالشعور براحة نسبية، إلا أن بعض التحديات النفسية لا تزال قائمة.
- انخفاض شدة التغيرات النفسية: تشعر المرأة في هذه المرحلة بعودة الاستقرار العاطفي بعض الشيء، مما يساهم في تحسين مزاجها العام.
- القلق حيال اكتساب الوزن: تبدأ بعض الأمهات بالقلق بشأن زيادة الوزن، هذا القلق قد ينشأ من تغيرات الجسم الطبيعية خلال أشهر الحمل والخوف من عدم القدرة على العودة إلى الوزن المثالي بعد الولادة.
- الحاجة إلى الشريك: يزداد احتياج المرأة إلى دعم الشريك، حيث تصبح لديها احتياجات عاطفية وجسدية أكثر من المعتاد.
- التغيرات في الرغبة الجنسية: قد تلاحظ المرأة زيادة في الرغبة الجنسية، نتيجة لزيادة الإفرازات المهبلية المرطبة وزيادة تدفق الدم إلى منطقة الحوض، بالإضافة إلى تلاشي أعراض الغثيان التي كانت تؤثر عليها في الثلث الأول.
الحالة النفسية في الثلث الأخير من الحمل (الأشهر 7-9)
الحالة النفسية للحامل في الشهر السابع:
في الشهر السابع من الحمل، تعيش الحامل كتلة من المشاعر المتضاربة، حيث تختلط مشاعر الدفء والجمال الناتجة عن الأمومة مع مشاعر الترقب والخوف. من المخاوف الشائعة التي تؤثر على الحالة النفسية للحامل في الشهر السابع:
- مسؤولية المولود: تبدأ الحامل تخاف من المسؤولية الكبيرة التي تنتظرها مع قدوم المولود الجديد.
- الولادة المبكرة: القلق من احتمال الولادة المبكرة في هذا الشهر، والتي قد تؤدي إلى ولادة طفل خديج، معرض لمخاطر صحية بسبب عدم اكتمال نموه.
- قلة حركة الجنين: تعتبر قلة حركة الجنين من المخاوف البارزة للحامل، والتي قد تكون ناتجة عن سوء التغذية، ارتفاع ضغط الدم، أو مشاكل صحية أخرى لدى الجنين.
- التغيرات الجسدية والنفسية: تشهد الحامل تغييرات في مشاعرها بين السعادة والبهجة من جهة، والخوف والقلق من جهة أخرى، هذه التغيرات العاطفية يمكن أن تكون مصحوبة بأعراض جسدية مؤلمة، مما يساهم في زيادة الألم النفسي.
الحالة النفسية للحامل في الشهر الثامن:
في الشهر الثامن من الحمل، تواجه الحامل مجموعة من المشاكل النفسية والجسدية منها:
- التوتر أو القلق: مع اقتراب موعد الولادة، قد تشعر الحامل بالقلق حيال كيفية تغيير حياتها بعد وصول الطفل، هذا الشعور طبيعي تمامًا.
- الانقباضات التمرينية وانقباضات المخاض: أما عن الجانب الجسدي، فقد تبدأ الحامل في تجربة الانقباضات التمرينية المعروفة بانقباضات براكستون هيكس، هذه الانقباضات غير منتظمة، لا تتطور، وعادةً ما تختفي إذا تحركت أو غيرت وضعيتها، أما اذا ازدادت تلك الانقباضات قوة مع مرور الوقت، فمن الممكن أن تكون انقباضات المخاض.
الحالة النفسية للحامل في الشهر التاسع:
مع اقتراب نهاية الحمل، تبدأ الكثير من الحوامل في التساؤل عن "اللحظة المناسبة" للذهاب إلى المستشفى من العلامات الأولى التي تنذر بقرب الولادة:
- فقدان السدادة المخاطية: خلال الشهر التاسع من الحمل، تظهر لدى الحوامل إفرازات مخاطية مختلطة بالدم، حيث تعمل السدادة على سد عنق الرحم خلال فترة الحمل.
- بدء الانقباضات: يصبح بطن الحامل في شهرها التاسع، صلبًا لبضع ثوان، وتزداد انقباضات الولادة تدريجيًا من حيث الطول والشدة والتقارب والألم.
- فقدان ماء الجنين: يعد تمزق كيس السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين، ويسبب تدفق سائل، إشارة إلى اقتراب الولادة، من المهم التوجه إلى المستشفى بسرعة لتجنب خطر العدوى.
- انتظام الانقباضات: عندما تصبح الانقباضات منتظمة عند الحوامل في الشهر التاسع، وتحدث كل خمس دقائق وتستمر لأكثر من 30 ثانية، فهذا مؤشر على أنه يمكنهم التوجه إلى المستشفى.
- الخوف من الألم عند الولادة: الخوف من الألم أثناء الولادة هو أحد المخاوف الشائعة بين النساء الحوامل.
اكتئاب الحمل:
نوبة اكتئاب الحمل يعاني منها حوالي 10% من النساء الحوامل خلال حملهن، حيث يبدأ اكتئاب الحمل عادةً في الأسابيع الاثني عشر الأولى من الحمل، وتستمر هذه التقلبات المزاجية طوال فترة الحمل.
أسباب اكتئاب الحمل:
يمكن أن يحدث نتيجة مجموعة متنوعة من العوامل، من أهم هذه الأسباب ما يلي:
- التعرض لسوء المعاملة في الطفولة: تعرض النساء الحوامل لسوء المعاملة في الطفولة، يمكن أن تعود هذه التجارب السلبية لتزيد من حدة الاكتئاب خلال فترة الحمل.
- العزلة: الشعور بالوحدة والعزلة يمكن أن يزيد من مشاعر الاكتئاب لدى الحامل، عدم وجود دعم اجتماعي أو أسري يمكن أن يجعل المرأة تشعر بأنها تواجه هذه المرحلة الحساسة بمفردها.
- النزاع الاجتماعي أو العائلي: وجود نزاعات اجتماعية أو عائلية مستمرة في حياة النساء الحوامل، يمكن أن يزيد من التوتر والضغط النفسي لديهن، مما يساهم في زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
- الصعوبات المالية: الصعوبات المالية لدى الحوامل، تعد مصدرًا كبيرًا للتوتر والقلق، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتوفير احتياجات طفل قادم.
- الحمل غير المرغوب فيه: قد تشعر المرأة الحامل، بضغط نفسي كبير إذا كان الحمل غير مرغوب فيه ولم يتم اتخاذ قرار بالإجهاض.
- الحمل بعد تجربة مؤلمة: الحمل الذي يأتي بعد تجربة مؤلمة مثل ولادة طفل ميت أو مشوه، أو بعد إجهاض طبي، يمكن أن يزيد من القلق والاكتئاب لدى الحوامل.
- الشك في صحة الجنين: الشك أو التشخيص لتشوه الجنين أو مرض أثناء الفحوصات يمكن أن يكون مصدرًا كبيرًا للضغط النفسي لدى الأم.
- المضاعفات الصحية للأم: الأمراض والمضاعفات الصحية للأم، مثل السكري الحملي أو ارتفاع ضغط الدم يمكن أن تزيد من مشاعر التوتر والقلق لديها.
- استهلاك المواد النفسية وتأثيرها: يمكن أن يكون استهلاك الحامل لمواد نفسية مثل التبغ والكحول والقنب والكوكايين يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات صحية للأم والجنين، إلى جانب المخاطر التوليدية، تعرّض هذه المواد المرأة لصعوبات نفسية قد تزيد من حدة الاكتئاب، من المهم استشارة المهنيين في حال تعاطي هذه المواد لتقليل المخاطر.
- الأمراض النفسية المعروفة: إذا كانت المرأة تعاني من مرض عقلي معروف، مثل الاكتئاب أو الفصام، أو ثنائي القطب، قد يتفاقم هذا المرض خلال فترة الحمل، لذا، يجب على النساء اللواتي يعانين من هذه الحالات النفسية الحصول على متابعة طبية ونفسية مكثفة أثناء الحمل.
أعراض اكتئاب الحمل:
من الأعراض الشائعة لاكتئاب الحمل:
- تغيرات في الشهية، مثل الأكل المفرط أو فقدان الاهتمام بالطعام.
- صعوبات في النوم، سواء بصعوبة في النوم أو بالنوم المفرط.
- نقص في الطاقة والإرهاق المستمر.
- مشاعر حزن شديد، يأس، أو شعور بعدم الجدوى.
- نوبات بكاء غير مبررة.
- صعوبات في العناية بالنفس.
- فقدان الاهتمام أو المتعة في الأنشطة التي كانت ممتعة في السابق.
نصائح للتعامل مع اكتئاب الحمل:
- التواصل الفعّال مع العائلة والأصدقاء: فقد يكون لتبادل الحديث مع الأشخاص المقربين أو مقدمي الرعاية الصحية تأثير مهدئ، حيث يمكنهم تقديم الدعم العاطفي والنفسي.
- مشاركة تجاربهن: ، يمكن أن توفر الأمهات الأخريات دعماً معنوياً ثميناً.
- ممارسة الأنشطة المهدئة: قد تكون ممارسة اليوغا، التأمل، أو حتى قراءة كتاب من الوسائل الفعالة لتخفيف التوتر، هذه الأنشطة تساعد على الاسترخاء وتهدئة العقل.
- الفحوصات الطبية المنتظمة: الاهتمام بالفحوصات الدورية يمكن أن يخفف من التوتر الناتج عن المخاوف الصحية المحتملة.
- التغلب على الخوف: التعامل مع الأعراض بهدوء يساعد في السيطرة على التوتر.
نفسية الحامل مع زوجها:
يمكن أن تتعرض بعض النساء للعنف خلال فترة الحمل، وفقاً للمسح الوطني للأمومة لعام 2021، نجد أن 6.0% من النساء تعرضن للعنف النفسي، وكان الشريك هو المصدر في 25.3% من الحالات. كما أن 1.3% من النساء تعرضن للعنف الجسدي، وكان الشريك هو المصدر في 34.5% من الحالات، و 0.3% من النساء تعرضن للعنف الجنسي، وهذا قد يكون بسبب:
- تأثير التقلبات على العلاقة الزوجية: تتجلى التغيرات النفسية للحامل في شكل تقلبات في الرغبة الجنسية والنفور من الزوج. بعض النساء قد يشعرن بزيادة في الدافع الجنسي، بينما يعاني البعض الآخر من انخفاض واضح في الرغبة. هذه التغيرات قد تسبب توتراً في العلاقة، حيث يمكن أن يشعر الزوج بالإحباط أو الرفض.
- القلق حول الجاذبية: قد تشعر المرأة بالقلق من فقدان جاذبيتها في عيون زوجها، مما يزيد من التوتر في العلاقة.
أسئلة شائعة حول الحالة النفسية أثناء الحمل
1. هل التوتر أثناء الحمل يؤثر على الجنين؟
نعم، يمكن أن يؤدي التوتر المزمن إلى زيادة مستويات الكورتيزول، مما قد يؤدي إلى مشاكل للحامل ولطفلها، يمكن أن يؤثر الاكتئاب أثناء الحمل على الجنين، كالآتي:
- عدم نمو الجنين بشكل جيد في الرحم.
- الدخول في المخاض مبكرًا جدًّا.
- يكون الطفل صغيرًا جدًّا عند الولادة.
- المضاعفات الصحية للطفل بعد الولادة.
2. كيف يمكن التعامل مع القلق في الأشهر الأولى من الحمل؟
يُنصح بممارسة التأمل، الحصول على قسط كافٍ من النوم، والتحدث مع مختص نفسي إذا لزم الأمر.
3. ما الفرق بين التقلبات المزاجية العادية واكتئاب الحمل؟
التقلبات المزاجية تكون قصيرة المدى، أما اكتئاب الحمل فهو حالة طويلة الأمد تؤثر على جودة الحياة اليومية.
4. هل يمكن للحامل تناول مضادات الاكتئاب؟
في بعض الحالات، قد يصف الطبيب مضادات اكتئاب آمنة للحمل، ولكن يجب عدم تناول أي أدوية دون استشارة طبية.
تعد التغيرات النفسية أثناء الحمل جزءًا طبيعيًا من هذه المرحلة، ولكن من المهم التعامل معها بطريقة صحيحة لتجنب التأثيرات السلبية على الأم والجنين. من خلال الدعم العاطفي، ممارسة العادات الصحية، والتواصل مع المختصين، يمكن للحامل أن تعيش تجربة أكثر استقرارًا وأمانًا.
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق
نحن نؤمن أن كل قارئٍ يحمل بداخله سؤالًا ينتظر الإجابة، وفضولًا يستحق الإشباع، وروحًا تستحق الرفق، ونحن هنا لننصت، نفهم، ونشارك، فلا تبخل علينا بصوتك.