تركمانستان، الدولة الغنية بالموارد الطبيعية والمغمورة في العزلة السياسية، تمثل واحدة من أكثر بلدان آسيا الوسطى غموضًا. رغم امتلاكها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي وتراثًا ثقافيًا فريدًا، فإن سياساتها الداخلية والخارجية جعلتها من أكثر الدول انغلاقًا في العالم. فما الذي يميز تركمانستان؟ وكيف تؤثر سياساتها على حياة سكانها؟
اكتشف في هذا المقال أسرار هذه الدولة، من معالمها الفريدة إلى سياساتها الغامضة
لمحة عن تركمانستان
تركمانستان (Türkmenistan)، التي تعني "بلاد التركمان"، هو اسم يحمل دلالة تاريخية وثقافية، بحسب المؤرخين، يعود أصل الاسم إلى كلمتين هما "ترك" و"إيمان"، مما يعكس إرتباطها القوي بالدين، كما يُطلق عليها اسم "كراكم"، وهو مصطلح تركماني يعني "الرمال السوداء"، مما يعكس بيئتها الجغرافية الصحراوية.
تعد اللغة التركمانية، التي تُعتبر جزءًا من العائلة التركية، هي اللغة الرسمية للبلاد.
![]() |
| عشق آباد، تركمانستان |
1.الموقع الجغرافي والمساحة
تقع تركمانستان في قلب آسيا الوسطى، تحدها أفغانستان من الجنوب الشرقي، و إيران من الجنوب، في حين تحدها أوزبكستان من الشرق، وكازاخستان من الشمال، أما من الغرب، فتنفتح تركمانستان على بحر قزوين، الذي يعد أحد أكبر البحيرات في العالم. تمتد أراضيها على مساحة 491,200 كيلومتر مربع، يسيطر عليها الطابع الصحراوي بمعدل 80% من أراضيها، مما يجعل مناخها جاف وقاسي، كما وصفها الشعراء بأنها "أرض لا تعرف الرحمة، لكنها تُخبئ خلف كثبانها العراقة والجمال".
2. عدد السكان والتنوع العرقي
وفقًا لأحدث الإحصائيات والتوقعات الصادرة عن Trading Economics، بلغ عدد سكان تركمانستان 6.5 مليون نسمة في عام 2023. وفي ديسمبر من نفس العام، وصل العدد إلى 7.36 مليون نسمة وفقًا للأرقام المسجلة. غالبية السكان ينتمون إلى العرق التركماني، حيث يشكلون نحو 70% من إجمالي السكان، بالإضافة إلى ذلك، توجد أقليات من أصول مختلفة، مثل الروس الذين يشكلون حوالي 10%، إضافة إلى الأوزبك، الكازاخ، التتار، الأوكرانيين، الأرمن، الأذريين.
3. عاصمة تركمانستان: عشق آباد
"عشق آباد" أو "أرض العشق" كما يحلو للبعض أن يسميها، تعرف ب"مدينة الرخام الأبيض"، حيث تضم العديد من المباني المصنوعة من الرخام الفاخر، تم تعيينها عاصمة منذ عام 1924، وهي تعد اليوم من أبرز المدن في المنطقة. في تصنيف شركة "ميرسر" لعام 2021، ارتفعت عشق آباد إلى المركز الأول كأغلى مدينة في العالم للوافدين، وهذا يعود إلى عدة أسباب أبرزها هو التضخم الحاد الذي تشهده المدينة، حيث تسببت هذه الظاهرة في ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع والخدمات، هذا التضخم، الذي يعصف بالاقتصاد المحلي، ساهم بشكل مباشر في زيادة الأعباء المعيشية على السكان. من جهة أخرى، ندرة بعض المواد الأساسية أصبحت ظاهرة ملموسة في المدينة، فالمواد الأساسية مثل الخبز، الطحين، الزيت النباتي، والبيض، باتت شبه معدومة، مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان ويعزز من ارتفاع تكاليف المعيشة في هذه المدينة.
![]() |
| مدينة الرخام الأبيض، تركمانستان |
الحياة في تركمانستان
1. لمحة عن تاريخ المنطقة
شهدت تركمانستان سيطرة العديد من الإمبراطوريات الكبرى عبر العصور، حيث حكم الفرس من الإمبراطورية الأخمينية تركمانستان بين عامي 500 و331 ق.م، قبل أن يهيمن إسكندر الأكبر على هذه الأراضي، ومن ثم، استولى البارثيون على المنطقة بين 250 ق.م و224 م، تلاهم الفرس الساسانيون الذين حكموا لفترة طويلة.
في القرن الرابع عشر، انتشرت الدعوة الإسلامية في المنطقة بفضل الدعاة، وأصبح الإسلام جزءًا لا يتجزأ من هوية تركمانستان. وفي نهاية القرن نفسه، توسع تيمورلنك سلطانه ليشمل جزءًا من هذه الأراضي، مما أضاف بعدًا جديدًا لتاريخ المنطقة. وفي الفترة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، فرض الصفويون سيطرتهم على الجزء الجنوبي، وهو ما يشكل اليوم تركمانستان الحديثة.
وفي القرن التاسع عشر، سيطرت قبائل تركية تعرف باسم "التيك" على المنطقة، ولكن الحضور الروسي بدأ في منتصف السبعينات من القرن نفسه. بحلول عام 1885، أصبحت تركمانستان جزءًا من الإمبراطورية الروسية، واستمر هذا الوضع حتى عام 1924، عندما أصبحت تركمانستان جمهورية ضمن الاتحاد السوفياتي. استمرت في هذا الإطار لحوالي 70 عامًا.
في عام 1991، نالت تركمانستان استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأصبحت دولة ذات سيادة. في فترة ما بعد الاستقلال، كانت تركمانستان تحت حكم الرئيس "صابر مراد نيازوف" الذي تولى السلطة من 1991 حتى وفاته في 2006.
وفي القرن التاسع عشر، سيطرت قبائل تركية تعرف باسم "التيك" على المنطقة، ولكن الحضور الروسي بدأ في منتصف السبعينات من القرن نفسه. بحلول عام 1885، أصبحت تركمانستان جزءًا من الإمبراطورية الروسية، واستمر هذا الوضع حتى عام 1924، عندما أصبحت تركمانستان جمهورية ضمن الاتحاد السوفياتي. استمرت في هذا الإطار لحوالي 70 عامًا.
في عام 1991، نالت تركمانستان استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأصبحت دولة ذات سيادة. في فترة ما بعد الاستقلال، كانت تركمانستان تحت حكم الرئيس "صابر مراد نيازوف" الذي تولى السلطة من 1991 حتى وفاته في 2006.
في منتصف القرن السابع الميلادي، فتح العرب المسلمون المنطقة، حيث بدأوا نشر الإسلام، وكان لهذا التحول تأثير كبير في الثقافة والدين في المنطقة. ومع مرور الوقت، استقر فيها بعض الأتراك في القرن العاشر، وأخذت عبارة "تركمانيا" في استخدامها منذ تلك الحقبة. كانت هذه المنطقة تحت حكم قبائل تركمانية حتى غزاها المغول بقيادة جنكيز خان في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي.
2. الاقتصاد في تركمانستان
تعد تركمانستان واحدة من أغنى دول آسيا الوسطى من حيث الموارد الطبيعية، حيث تمتلك تركمانستان، ما يقرب من 10% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة عالميًا، كما تحتل المرتبة العاشرة عالميًا في إنتاج الغاز الطبيعي، حيث يبلغ إنتاجها 78 مليار متر مكعب سنويًا، وتضم حقل غالكينيش، الذي يُعد خامس أكبر حقل غازي عالميًا. وصف الشاعر التركماني غولميراز بيردي بلاده قائلاً: "من قلب الصحراء، تتفجر منابع الحياة. الأرض هنا ليست مجرد رمال، بل هي مصدر عطاء لا ينضب من الغاز والنفط."
على الرغم من الثروة الهيدروكربونية الهائلة، فإن الاقتصاد لا يعتمد فقط على الطاقة، فالزراعة تمثل أكثر من نصف الإنتاج الاقتصادي، حيث يُعتبر القطن المحصول الرئيسي، أما الصناعة، فتساهم بنسبة 20% تقريبًا، وتشمل الصناعات البتروكيميائية، الأسمنت، الزجاج، والمنتجات القطنية والصوفية والحريرية.
رغم هذه الثروات الهائلة، لا تزال بيئة الأعمال مغلقة وغير مشجعة على الاستثمار الأجنبي، ذلك لأن منذ الحقبة السوفيتية، سيطرت الدولة على كافة القطاعات الاقتصادية، ولا يزال هذا النهج سائدًا حتى بعد الاستقلال، فالحكومة تتحكم في الصناعات، والأراضي الزراعية، والمؤسسات الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك، يُعد انتشار الفساد من أبرز التحديات التي تُقيد الفرص الاقتصادية، إذ تظل الامتيازات الاقتصادية مقتصرة على النخب المرتبطة بالنظام.
3. الحريات الدينية
لطالما شكّل الإسلام حجر الزاوية في هوية الشعب التركماني، حيث يُعد 89% إلى 93% من السكان مسلمون، مع وجود أقلية مسيحية أرثوذكسية شرقية (حوالي 9%)، إضافة إلى مجموعات صغيرة من البهائيين والشيعة الإثني عشرية.
لكن على الرغم من أن الدستور ينص على الفصل بين الدين والدولة، فإن الحكومة تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الدينية، ومن أجل تقليل التأثيرات الخارجية، تُفرض قيود صارمة على الأنشطة الدينية غير المعتمدة رسميًا، مما يجعل ممارسة الدين تخضع لرقابة مشددة.
دخل الإسلام إلى تركمانستان خلال القرنين التاسع والعاشر، ونجح في التأثير على المجتمع التركماني رغم طبيعته البدوية، ومع مرور الزمن، امتزجت العادات القبلية بالممارسات الدينية، مما خلق نموذجًا فريدًا للإسلام في المنطقة، يعتمد على التصوف، والاحتفاء بالأولياء، والطقوس التقليدية. منذ الاستقلال، شهدت تركمانستان طفرة في بناء المساجد وإنشاء مؤسسات دينية مثل دار الإفتاء.
4. حقوق المرأة في تركمانستان: بين القيود والمجتمع التقليدي
في تركمانستان، تواجه النساء قيودًا صارمة تمس مظهرهن وسلوكهن اليومي، حيث يُحظر عليهن ارتداء الملابس الضيقة أو صبغ الشعر أو الخضوع لعمليات التجميل، وكأن الدولة تسعى إلى فرض نموذج واحد للهوية النسائية، لكن الأمر لا يتوقف عند المظهر، بل يمتد إلى طريقة تنقل النساء، حيث لا يُسمح لهن بالجلوس في المقاعد الأمامية للسيارات أو السفر برفقة رجال من غير أفراد أسرهن، هذه القيود تعكس رؤية متشددة لدور المرأة في المجتمع، حيث لا تملك الحق حتى في تفاصيل حياتها اليومية.
5. الحرية الأكاديمية والتعليم
التعليم في تركمانستان لا يُعَد مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هو أداة في يد السلطة تستخدمها لبث الدعاية السياسية، تخضع المناهج لرقابة صارمة، حيث يتم التركيز على تمجيد النظام الحاكم أكثر من التركيز على تطوير الفكر النقدي لدى الطلاب، أما البحث الأكاديمي، فهو يواجه قيودًا تجعل من الصعب على الباحثين استكشاف مجالات جديدة أو التعبير عن أفكار قد تتعارض مع رؤية الحكومة، حتى الحصول على شهادة أجنبية لا يضمن الاعتراف بها رسميًا داخل البلاد، مما يُضيق على الشباب الطامحين لاستكمال تعليمهم في الخارج.
ما تشتهر به تركمانستان
خيول أكحل تيكي
تُعد خيول أكحل تيكي رمزًا وطنيًا في تركمانستان، حيث تُعرف بجمالها الفريد وسرعتها الفائقة، وغالبًا ما يُطلق عليها اسم "الأحصنة الذهبية" بسبب لمعان معاطفها، يمكن للزوار التفاعل مع هذه الخيول الأسطورية في مزارع التربية أو حضور سباقات الخيول التي تُقام بانتظام في العاصمة عشق آباد.
![]() |
| خيول أكحل تيكي في عشق آباد، تركمانستان |
آثار الديناصورات
في هضبة الديناصورات شرق تركمانستان، يمكن العثور على واحدة من أكبر مجموعات آثار الديناصورات في العالم، هذه البصمات تعود لأنواع مثل الميغالوصور، الإغوانودون، والتيرانوصور، مما يجعل الموقع شاهدًا على تاريخ جيولوجي يمتد لملايين السنين.
بوابة الجحيم في داروازا
واحدة من أكثر المواقع إثارة في تركمانستان هي حفرة دارفازا، المعروفة باسم "بوابة الجحيم". هذه الحفرة الغازية العملاقة تحترق منذ عام 1971، بعدما أدى انهيار أرضي أثناء التنقيب عن الغاز إلى تسربه، مما دفع العلماء إلى إشعال النيران فيه. واليوم، تجذب هذه الحفرة الغامضة الزوار من جميع أنحاء العالم، حيث يُمكنهم مشاهدة ألسنة اللهب المتصاعدة وسط الصحراء القاراقمية ليلاً.
![]() |
| بوابة الجحيم، تركمانستان |
المدن التاريخية
- نسا القديمة: عاصمة الإمبراطورية البارثية، وهي موقع مدرج في قائمة اليونسكو، وتضم أطلالًا تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
- مدينة كهنه غرغانج: مركز إسلامي قديم يحتفظ بمعالمه المعمارية، مثل مئذنة كوتلوق تيمور، التي تعد من الأطول في آسيا الوسطى.
- مَرْو الأثرية: واحدة من أقدم المدن في العالم، كانت مركزًا حضاريًا هامًا على طريق الحرير، وتحتوي على آثار تعكس تطور الحضارات عبر العصور.
وادي يانجيكالا
يُعرف وادي يانجيكالا بتكويناته الصخرية المذهلة التي تتحول إلى ألوان حمراء وبنفسجية عند غروب الشمس، مما يجعله وجهة مثالية لعشاق المغامرة والتخييم، مشهد الصخور الملونة وسط الصحراء يمنح المكان سحرًا خاصًا يُشبه المناظر من عوالم خيالية.
السجاد التركماني
يُعد السجاد التركماني من أشهر المنتجات الحرفية في البلاد، حيث يتميز بتصاميمه المذهلة وألوانه الزاهية، ويُخصص له متحف خاص في عشق آباد، حيث يمكن للزوار مشاهدة أقدم وأجمل القطع المنسوجة يدويًا، والتي تعكس التراث الثقافي العريق للمنطقة.
![]() |
| السجاد التركماني |
فاكهة تركمانستان المميزة: البطيخ
تُعرف تركمانستان بكونها موطنًا لأكثر من 430 نوعًا من البطيخ، مما يجعل هذه الفاكهة جزءًا مهمًا من الثقافة الغذائية للبلاد. يحتفل السكان سنويًا بـ "يوم البطيخ التركماني"، حيث تُعرض أكبر وألذ الثمار وسط أجواء احتفالية.
حقائق غريبة عن تركمانستان قد لا تعرفها
1. الحرية السياسية والاجتماعية
في تركمانستان، حرية التعبير وحرية الصحافة تكاد تكون معدومة، حيث تسيطر الدولة بشكل كامل على جميع وسائل الإعلام، مما يحول الصحافة إلى مجرد أداة لنقل الدعاية الحكومية.
لا يقتصر القمع على الإعلام التقليدي، بل يمتد إلى الإنترنت الذي يخضع لمراقبة صارمة، حيث يتم حجب المواقع المستقلة، ويُحظر استخدام شبكات VPN، مما يمنع المواطنين من الوصول إلى مصادر أخبار محايدة.
لا يتمتع الأفراد في تركمانستان بأي هامش من الخصوصية، فالمراقبة المستمرة تفرض عليهم قيودًا دائمة، وأي رأي معارض للحكومة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مما يدفع الناس إلى الصمت، فالخوف من العقوبات يجعل كل مواطن يعيش بحذر، متجنبًا أي حديث قد يُفسر على أنه انتقاد للسلطة، في هذا السياق، كتب الصحفي أنور حنسوف في كتابه "تركمنستان: حكاية الخوف والعزلة", "في تركمنستان، يُعتبر الصمت جزءًا من الحياة اليومية، الناس لا يتحدثون بحرية عن سياساتهم أو حتى عن حياتهم الخاصة، خوفًا من الرقابة التي تلاحق كل كلمة." هذه الكلمات تلخص بوضوح الجو القمعي الذي يحيط بالمجتمع التركماني، حيث يصبح الصمت وسيلة للبقاء.
لا يقتصر القمع على الإعلام التقليدي، بل يمتد إلى الإنترنت الذي يخضع لمراقبة صارمة، حيث يتم حجب المواقع المستقلة، ويُحظر استخدام شبكات VPN، مما يمنع المواطنين من الوصول إلى مصادر أخبار محايدة.
لا يتمتع الأفراد في تركمانستان بأي هامش من الخصوصية، فالمراقبة المستمرة تفرض عليهم قيودًا دائمة، وأي رأي معارض للحكومة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مما يدفع الناس إلى الصمت، فالخوف من العقوبات يجعل كل مواطن يعيش بحذر، متجنبًا أي حديث قد يُفسر على أنه انتقاد للسلطة، في هذا السياق، كتب الصحفي أنور حنسوف في كتابه "تركمنستان: حكاية الخوف والعزلة", "في تركمنستان، يُعتبر الصمت جزءًا من الحياة اليومية، الناس لا يتحدثون بحرية عن سياساتهم أو حتى عن حياتهم الخاصة، خوفًا من الرقابة التي تلاحق كل كلمة." هذه الكلمات تلخص بوضوح الجو القمعي الذي يحيط بالمجتمع التركماني، حيث يصبح الصمت وسيلة للبقاء.
2. العزلة السياسية والدبلوماسية
منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، تبنّت تركمانستان سياسة خارجية انعزالية، مما جعلها واحدة من أكثر الدول انغلاقًا في العالم، السفر إلى الخارج للمواطنين مقيد بشدة، كما أن دخول السياح إلى البلاد لا يتم إلا عبر إجراءات معقدة أو جولات منظمة تخضع لرقابة صارمة، هذه العزلة لم تكن وليدة الصدفة، بل هي استراتيجية متعمدة للحفاظ على السيطرة التامة على المجتمع ومنع أي تأثير خارجي قد يهدد النظام.
3. تقديس الرئيس
في عهد صابر مراد نيازوف في تركمانستان، كانت سياسة التقديس جزءًا لا يتجزأ من حكمه، حيث فرض على شعبه رؤية موحدة تجمع بين الدين، الثقافة، والسياسة، وسعى إلى بناء نظام يعتمد على العبادة الشخصية للأفراد من أجل تكريس السلطة المطلقة، مما جعل حكمه يتجاوز الجوانب السياسية ليشمل كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. يتجلى ذلك في منح نفسه لقب "الرئيس الخالد"، وهو لقب يعكس التفرد المطلق في السلطة.
أحد أبرز القرارات التي اتخذها نيازوف كان إصدار "كتاب روحاني"، الذي كان بمثابة دستور شبه ديني لتركمانستان، هذا الكتاب، الذي احتوى على فلسفة الرئيس وأيديولوجيته السياسية، أصبح جزءًا أساسيًا من النظام التعليمي في البلاد، حيث كان يُدرس في المدارس ويُعتبر موجهًا روحيًا، بل وأحيانًا كان يُعتبر أكثر من مجرد نص أدبي، فقد وُضع نصوص منه في الأماكن العامة والمرافق الحكومية، بهذا الشكل، تحول الكتاب إلى أداة تمجيد للرئيس.
في أحد اقتباساته من الكتاب، قال نيازوف: "إن هذا الكتاب هو ما يضيء الطريق للشعب التركماني، نحن نعيش في عهد جديد، عهد الصدق والنزاهة، حيث لا مكان للظلام والخداع في قلوب الناس." بهذه الكلمات حاول نيازوف، أن يُغرس في أذهان شعبه رؤية شخصية تحكم علاقاتهم بالمجتمع والدولة، حيث لا مجال للتشكيك في صواب القيادة.
لقد ذهب نيازوف إلى أبعد من ذلك، فخصص تماثيل ضخمة له في مختلف أنحاء العاصمة وأماكن أخرى في البلاد، هذه التماثيل كانت بمثابة رموز تُعبّر عن هيبته كقائد "خالِد". التقديس الذي ناله نيازوف من شعبه كان في شكل احتفالاً مبالغًا فيه بشكل يفوق ما يحدث في معظم الدول، حتى أصبح جزءًا من الثقافة اليومية.
لم تقتصر سياسات نيازوف على الرمزية والتماثيل، بل امتدت إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية، بما في ذلك التقويم الرسمي للدولة. فقد فرض نيازوف تقويمًا خاصًا يعكس الثقافة التركمانية بشكل أكبر، حيث تم تعديل أيام العطل لتتماشى مع التقاليد الوطنية والأنشطة الروحية. أما فيما يتعلق بالزي الرسمي، فقد كان لزامًا على الرجال ارتداء قبعات بيضاء في المناسبات الرسمية، وهو تقليد قديم يعكس الهوية الوطنية، لكنه أصبح لاحقًا رمزًا للامتثال لأوامر الحكومة. هذه القبعات كانت بمثابة تعبير عن الولاء للنظام الحاكم، وجزء من أسلوب نيازوف في فرض السيطرة على مظهر الشعب وأسلوب حياته.
في أحد اقتباساته من الكتاب، قال نيازوف: "إن هذا الكتاب هو ما يضيء الطريق للشعب التركماني، نحن نعيش في عهد جديد، عهد الصدق والنزاهة، حيث لا مكان للظلام والخداع في قلوب الناس." بهذه الكلمات حاول نيازوف، أن يُغرس في أذهان شعبه رؤية شخصية تحكم علاقاتهم بالمجتمع والدولة، حيث لا مجال للتشكيك في صواب القيادة.
لقد ذهب نيازوف إلى أبعد من ذلك، فخصص تماثيل ضخمة له في مختلف أنحاء العاصمة وأماكن أخرى في البلاد، هذه التماثيل كانت بمثابة رموز تُعبّر عن هيبته كقائد "خالِد". التقديس الذي ناله نيازوف من شعبه كان في شكل احتفالاً مبالغًا فيه بشكل يفوق ما يحدث في معظم الدول، حتى أصبح جزءًا من الثقافة اليومية.
لم تقتصر سياسات نيازوف على الرمزية والتماثيل، بل امتدت إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية، بما في ذلك التقويم الرسمي للدولة. فقد فرض نيازوف تقويمًا خاصًا يعكس الثقافة التركمانية بشكل أكبر، حيث تم تعديل أيام العطل لتتماشى مع التقاليد الوطنية والأنشطة الروحية. أما فيما يتعلق بالزي الرسمي، فقد كان لزامًا على الرجال ارتداء قبعات بيضاء في المناسبات الرسمية، وهو تقليد قديم يعكس الهوية الوطنية، لكنه أصبح لاحقًا رمزًا للامتثال لأوامر الحكومة. هذه القبعات كانت بمثابة تعبير عن الولاء للنظام الحاكم، وجزء من أسلوب نيازوف في فرض السيطرة على مظهر الشعب وأسلوب حياته.
في مقال نُشر عام 2019، وصف الصحفي جوناثان فارنيل تركمانستان بقوله: "إنها أرض غامضة ومغلقة، حيث لا تكاد ترى الضوء الخافت من خارج حدودها، أما الداخل فهو مليء بالتماثيل والدعاية السياسية." هذا الوصف يلخص بدقة طبيعة الحياة في هذه الدولة، حيث تُوظف الرموز والتماثيل لترسيخ صورة القائد، بينما يعيش المواطنون في ظل منظومة تُحكم قبضتها على كل جانب من جوانب الحياة.
4. نظام الحكم الفساد
تركمانستان تُعتبر دولة استبدادية وقمعية، حيث تنتهك الحقوق السياسية والحريات المدنية بشكل شبه كامل، هذا النظام السياسي القمعي يضيق الخناق على حرية التعبير والمشاركة السياسية، مما يجعل حياة المواطنين تحت الرقابة المستمرة.
تخضع الانتخابات في تركمانستان لسيطرة مشددة من قبل الحكومة، مما يضمن فوز الرئيس وأتباعه بأغلبية ساحقة، فحتى في ظل الانتخابات، يتم منع أي فرصة لوجود منافسة حقيقية، وفي هذا السياق، يمكننا أن نتخيل كيف تبدو الانتخابات في دولة لا تُترك فيها المساحة لأي معارضة، بل إن هذا النظام يختزل العملية الانتخابية في مجرد إجراء شكلي لا يعكس إرادة الشعب.
النظام السياسي في تركمانستان لا يسمح بوجود معارضة حقيقية، إن جميع أشكال المعارضة إما يتم تصنيفها كغير قانونية أو يتم إجبار أعضائها على العيش في المنفى.
أما عن الفساد في تركمانستان فهو منتشر على نطاق واسع، ويطول مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، لا توجد مؤسسات مستقلة تعمل على مكافحة الفساد، مما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة.
تخضع الانتخابات في تركمانستان لسيطرة مشددة من قبل الحكومة، مما يضمن فوز الرئيس وأتباعه بأغلبية ساحقة، فحتى في ظل الانتخابات، يتم منع أي فرصة لوجود منافسة حقيقية، وفي هذا السياق، يمكننا أن نتخيل كيف تبدو الانتخابات في دولة لا تُترك فيها المساحة لأي معارضة، بل إن هذا النظام يختزل العملية الانتخابية في مجرد إجراء شكلي لا يعكس إرادة الشعب.
النظام السياسي في تركمانستان لا يسمح بوجود معارضة حقيقية، إن جميع أشكال المعارضة إما يتم تصنيفها كغير قانونية أو يتم إجبار أعضائها على العيش في المنفى.
أما عن الفساد في تركمانستان فهو منتشر على نطاق واسع، ويطول مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، لا توجد مؤسسات مستقلة تعمل على مكافحة الفساد، مما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة.
رغم ثرواتها الهائلة، تقف تركمانستان كواحدة من أكثر الدول انغلاقًا في العالم، حيث تفرض السلطات سيطرة مطلقة على المجتمع، وتحكم بقبضة من حديد لا تترك مجالًا للمعارضة أو حرية التعبير. في هذا البلد، يُصوَّر الرئيس كقائد شبه مقدس، وتُحوَّل كلماته إلى شعارات لا تُناقش، بينما يعيش المواطنون في ظل رقابة صارمة تحكم كل جانب من جوانب حياتهم.
فكيف سيكون مستقبل شعبٍ لا يُسمع فيه سوى صدى السلطة؟
فكيف سيكون مستقبل شعبٍ لا يُسمع فيه سوى صدى السلطة؟
المصادر
- Turkmenistan, The World fact book https://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/tx.html
- Turkmenistan, Country Studies-Library of Congress http://lcweb2.loc.gov/frd/cs/profiles/Turkmenistan.pdf
- Turkmenistan, The Columbia Encyclopedia http://www.infoplease.com/ipa/A0108058





تعليقات
إرسال تعليق
نحن نؤمن أن كل قارئٍ يحمل بداخله سؤالًا ينتظر الإجابة، وفضولًا يستحق الإشباع، وروحًا تستحق الرفق، ونحن هنا لننصت، نفهم، ونشارك، فلا تبخل علينا بصوتك.