سيبريا: قلب روسيا وحديقتها الخلفية

القائمة الرئيسية

الصفحات

سيبريا: قلب روسيا وحديقتها الخلفية

تمثل سيبيريا واحدة من أكثر المناطق الجغرافية إثارةً للفضول في العالم، فهي تمتد على مساحات شاسعة، تجمع بين التنوع الثقافي، والثراء الطبيعي، والتاريخ العريق. ورغم قساوة مناخها، فقد لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل اقتصاد روسيا وهويتها الوطنية.
لكن، ما سر هذه المنطقة الغامضة؟ وهل هي حقًا مجرد أرض جليدية نائية، أم أنها تحمل بين طياتها كنوزًا طبيعية وثقافية لا مثيل لها؟

سيبريا
سيبريا

الموقع والجغرافيا

تقع سيبيريا في شمال قارة آسيا، تمتد من جبال الأورال في الغرب حتى المحيط الهادئ في الشرق، من الجنوب، تصل إلى تلال شمال كازاخستان وأجزاء من منغوليا والصين، بينما يحدها شمالًا المحيط المتجمد الشمالي.
يخترقها نهر ينسي ، الذي يقسمها إلى قسمين:
  • سيبيريا الغربية : تتميز بالسهول الواسعة والمناطق المنخفضة.
  • سيبيريا الشرقية : ذات طبيعة جبلية وغابات كثيفة، مما يجعلها موطنًا لأنواع نادرة من الكائنات الحية.
تمتد سيبريا على مساحة شاسعة، تجعلها واحدة من أكبر المناطق الجغرافية في العالم، تشكل سيبيريا حوالي 75% من مساحة روسيا الإجمالية، بمساحة تتجاوز 13 مليون كيلومتر مربع، يقول الكاتب سكري، محمد امين الصوفي، في كتابه سمير الليالي ن مساحة سيبريا خمسة ملايين ميل مربع وهي تعادل قارة أروبا في المساحة، وبلاد سيبريا غنية بالمعادن وليس لاهلها حظ في العلوم".

التاريخ والأصل اللغوي

يحمل اسم "سيبيريا" دلالات تاريخية متعددة. وفقًا لبعض الروايات، فإن الاسم مشتق من عبارة "سيب إير"، التي تعني "الأرض النائمة"، في إشارة إلى سكون طبيعتها الشاسعة. بينما يرى آخرون أنه مستوحى من قبيلة سيرتيا , وهي مجموعة إثنية قديمة عاشت في المنطقة. ظهر اسم "سيبيريا" بشكل رسمي بعد سيطرة روسيا على المنطقة عام 1582، وبحلول عام 1599، أصبح الاسم جزءًا من ألقاب الملوك الروس.
يذكر الكاتب محمد أمين الصوفي أن سيبيريا ظلت مجهولة بالنسبة لأهل أوروبا حتى أواخر القرن الخامس عشر، حيث بدأ الروس في دخولها سعياً وراء تجارة الفراء والجلود مع القبائل المحلية. ومع مرور الوقت، امتد الحكم المسكوفي إلى المنطقة، لترسخ روسيا نفوذها هناك.

السكان الأصليين لسيبريا

 أشار دوستويفسكي في كتابه ذكريات من منزل الأموات إلى بساطة هؤلاء الناس "إن السكان أناس بسطاء لا تعصف برؤسهم الأفكار الليبيرالية ولهم عادات قديمة رسخها الزمن".
استوطنت في هذه المنطقة عدة شعوب قادمة من بيئات متنوعة، ورغم اختلاف أصولها، فقد تكيفت مع ظروف الحياة المحلية، ومن بين هذه المجموعات، يعد الإسكيمو الأكثر انتشارًا، في حين يُعرف الأمريكيانويدز أيضًا باسم السيبريين القدامى.
ومن بين النظريات التي حاولت تفسير الأصول العرقية لسكان سيبيريا، 
تبرز بعض الدراسات التاريخية والجغرافية التي تشير إلى ارتباطهم بيأجوج ومأجوج، فقد أورد كتاب فك أسرار ذي القرنين (أخناتون) ويأجوج ومأجوج دلائل تشير إلى أن شعوب الخيل، أو ما يُعرف بالمأجوجيين نسبة إلى مأجوج، تمتد عبر قارتين، هما آسيا وأوروبا. ويندرج ضمن هذه الشعوب:
  • مجموعة سيبيريا وبعض دول آسيا الوسطى، إلى جانب دول تطل على البحر الأسود.
  • مجموعة منغوليا.
وفي إطار البحث عن علاقة سيبيريا بالخيل، تمكن بعض المؤرخين وعلماء الآثار من اكتشاف مقابر أثرية متناثرة في الروابي والسّهول السيبيرية، تُعرف باسم Kurguns، وهي آخر ما تبقى من حضارة قديمة تُدعى حضارة البازيريك. وتُعتبر البازيريك من أوائل الشعوب التي استخدمت الخيل في تنقلاتها.
وتأكيدًا على العلاقة العميقة بين هذه القبائل والخيل، تشير الدلائل إلى أن هذه الشعوب كانت أول من اخترع السروال، الذي وفر لهم مرونة أكبر عند ركوب الخيل، مقارنة بالملابس التقليدية التي كانوا يرتدونها. كما تكشف بعض الدراسات التاريخية أن قبيلة البازيريك، إلى جانب قبائل سيبيرية أخرى، قضت وقتًا طويلاً في امتطاء الخيل، لدرجة أن بعض المؤرخين يعتقدون أنها مصدر الأسطورة التي تصور "القنطور"، الكائن الخرافي الذي يجمع بين نصف بشري ونصف حصاني. لهذا السبب، أطلق المؤرخون على هذه القبائل لقب فرسان الخيل القدامى (The Ancient Horse Riders).

الأهمية الاقتصادية لسيبيريا

تُعد سيبريا بمثابة "القلب النابض" لروسيا بفضل ثرواتها الطبيعية الوفيرة، مثل:
  • النفط والغاز الطبيعي
  • الفحم والمعادن النادرة
  • أكبر احتياطي غابات في العالم
حيث توفر هذه المنطقة ما يلزم لدعم الاقتصاد الروسي واستمراره كقوة عظمى، بفضل مواردها الهائلة، أصبحت سيبيريا منبعًا للثروة الروسية، مما أكسبها لقب "حديقة روسيا الخلفية". 
كانت الوكالات التابعة للحكومة المركزية في ظل الاتحاد السوفياتي، هي التي تخطط كل ما يتعلق باقتصاد البلاد، الحكومة كانت تملك وتسيطر على جميع المصانع والمزارع وكانت الاعمال الخاصة ممنوعة، هي التي تحدد حصص الانتاج وتقرر نوعيته ولمن تباع المنتجات، هذا التحكم المركزي حولها من دولة زراعية الى عملاق صناعي، لكن تقدم الصناعة وقمع الأفكار الجديدة أثر في نوعية المنتاجات، ما جعل الحكومة الروسية تعمل على تحويل المصانع والمزارع الحكومية الى ملكيات خاصة.
شهدت البلاد تأزم في الوضع الاقتصادي مع انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث في بداية التسعينات أصبح اقتصاد البلاد تعمه الفوضى والتضخم، كما تدهور الانتاج الصناعي، قبل أن تستعيد عافيتها بفضل ثرواتها الطبيعية.

المناخ: القسوة والجمال

سيبيريا معروفة بشتائها القاسي، الذي يعد واحدًا من أشد الفصول برودةً في العالم. وصفتها بعض المصادر، بأنها أراض وسيعة شديدة البرد كثيرة الرطوبة ليس في الدنيا أشد بردا وأكثر رطوبة منها ويدوم هطول الأمطار بها نحوا من عشرة أشهر.

الشتاء القاسي الحياة تحت الصفر

تشتهر سيبريا بشتائها الطويل القارس الذي ساعد في صد الغزاة وشل حركتهم، مثل جيوش نابليون عام 1812م، وجيوش هتلر إبان الحرب العالمية الثانيةشتائها القاسي كذلك جعل منها منفى للمجرمين ولمعارضي السياسة الشيوعية وللمسلمين الذين وصفوها بالجحيم البارد أو الزمهرير.
تعد سيبريا من أبرد الأماكن المأهولة على وجه الأرض، حيث تتراوح درجات الحرارة فيها بين -40° مئوية و-60° مئوية.
أدنى درجة حرارة مسجلة كانت في ياقوتيا، وصلت الحرارة إلى -71.2° مئوية (-96.1° ف)، وهي واحدة من أبرد درجات الحرارة على الإطلاق.
 السكان يتحدثون عن ظروف تصل فيها الحرارة إلى -50° مئوية، ومع ذلك يصفون الجو أحيانًا بأنه "دافئ" عند تسجيل -30° مئوية.

الصيف في سيبريا

رغم قساوة الشتاء، يوفر الصيف السيبيري فرصة فريدة للاستمتاع بالمناخ المعتدل، لكنه عادة ما يكون قصير، حيث تصل درجات الحرارة في جنوب سيبيريا إلى حوالي 20° مئوية، مع تسجيل مستويات تصل أحيانًا إلى 37° مئوية في بعض المناطق، إلا أنه مؤخرا أشارت التقارير  إلى تسجيل درجات حرارة غير مألوفة، وظهور ظواهر مثل ذوبان التربة المتجمدة (Permafrost) وتشكيل فوهات جديدة، مما يهدد توازن البيئة في القرى الريفية.

المدن الرئيسية

تضم سيبيريا أكثر من 113 مدينة، تتفاوت في أحجامها وكثافتها السكانية. ومن أبرز مدنها:

1. نوفوسيبيرسك: عاصمة سيبيريا

تعد نوفوسيبيرسك أكبر مدينة في المنطقة، ويبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة. نشأت هذه المدينة بفضل خط السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، الذي مر بها لأول مرة عام 1893. وقد أطلق عليها في الأصل سكة حديد سيبريا الكبرى، حيث اعتبرت في حينها أطول سكة حديدية في العالم، امتدت على مسافة 8000 كم،  وقد لعبت دورًا حاسمًا في تطورها، وأصبحت اليوم مركزًا صناعيًا وتجاريًا رئيسيًا.

2. إيركوتسك: بوابة بحيرة بايكال

إيركوتسك، المعروفة بتاريخها العريق، تُعتبر نقطة العبور الرئيسية نحو بحيرة بايكال، أعمق بحيرة عذبة في العالم.

3. ياكوتسك: أبرد مدينة مأهولة

تُعرف ياكوتسك بأنها أبرد مدينة في العالم، حيث يعيش سكانها في درجات حرارة تصل إلى -50° مئوية خلال الشتاء.

 الإسلام في سيبيريا

كانت سيبريا جزءا من الدولة المغولية، التي أسسها باطو بن جينكيز خان وصلها الاسلام بواسطة الدعاة من أهل بخارى وقازان الذين شقوا طريقهم الى تلك البلاد وعاشوا مع أهلها ولما اعتنق المغول الاسلام وتحمسوا له أصبحت سيبريا بلاد اسلامية وكون فيها المسلمون إمارة عاصمتها سيبير.
اليوم في مدينة تومسك، الواقعة في سيبريا، يتمتع المسلمون من أصول عرقية مختلفة بوجود ملحوظ، تتوزع هذه المجموعة بين الطاجيك والكيرغيز والأوزبك، وهي تشكل واحدة من المجموعات العرقية الكبيرة بين المسلمين في المدينة. وفقًا للتقديرات، يبلغ عدد الأوزبك في تومسك حوالي 6,000 شخص، بالإضافة إلى نفس العدد تقريبًا من الكيرغيز، بينما يصل عدد الطاجيك إلى حوالي 3,000 شخص. وتشير الإحصاءات إلى وجود 59 مسجدًا في المناطق القطبية الروسية.

عجائب سيبريا

تمتلك سيبيريا العديد من المعالم الطبيعية التي تُصنف ضمن عجائب العالم، من بينها:
1. محمية ستولبي: منطقة جبلية مذهلة تجذب عشاق المغامرات.

محمية ستولبي، سيبريا
 محمية ستولبي سيبريا

 2. بحيرة "بايكال": أعمق بحيرة عذبة في العالم حيث يصل عمقها إلى 1620 مترا، وهي من أحد عجائب سيبيريا الكبرى.
بحيرة بايكال، سيبريا
بحيرة بايكال سيبريا

 3. جبل "بيليوخا": المدرج ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو، بإطلالاته الخلابة التي تجذب محبي المغامرات.

تمثل سيبيريا مزيجًا فريدًا من التاريخ، والثقافة، والطبيعة، فهي ليست مجرد أرض جليدية نائية، بل قلب روسيا النابض، وكنزها الطبيعي الثمين. ورغم التحديات المناخية والاقتصادية، لا تزال هذه المنطقة تحتفظ بسحرها وغموضها، مما يجعلها واحدة من أكثر الوجهات استكشافًا في العالم.
نختم بقول دوستويفكسي في كتاب ذكريات من منزل الأموات،  "سيبيريا بلاد هناءة وغبطة لا من وجهة الخدمة العامة وحدها بل من وجهات كثيرة أيضا، المناخ فيها رائع، والتجار أثرياء مضيافون والميسيرون من أهلها كثير، أما صباياها فأشبه بورود متفتحة، وأخلاقهن لا غبار عليها، والطرائد تجري في شوارعها وترتمي على الصياد ارتماءا، والناس يشربون فيها الشمبانيا وافرة غزيرة، والكافيار مدهش، والفلاحون يحصدون من الغلال في بعض الأحيان أضعاف ما بذروا خمس عشرة مرة".

هل لديك فضول لمعرفة المزيد عن سيبيريا؟

شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تنسَ متابعة المزيد من مقالاتنا عن أهم المناطق الجغرافية حول العالم!

تعليقات

التنقل السريع