كل شخص يحمل بداخله "الدار المظلمة" المليئة بالذكريات، الأسرار، والآلام التي لم يبوح بها لأحد، حتى لنفسه. هذه الدار هي المكان الذي نخفي فيه صغرنا، أحلامنا المستحيلة، نقاط ضعفنا، أخطائنا، ووجعنا، مؤمنين أن الله وحده يعرفها ولن يُفضح سرها. لكن عندما تدخل الخيانة والفراق إلى هذه الدار، يتحوّل كل ما كنا نحميه إلى ألمٍ صارخ وصدمة نفسية.
![]() |
| القوة الداخلية أن ترخي قبضتك عن كل ما يؤذيك |
الدار المظلمة
أوّلَ ما عرفتكَ، أدخلتُكَ داري، وما أدخلتُ أحدًا قطُّ إلى داري.
فتحتُ لك الأبوابَ جميعًا، وخلف كلِّ بابٍ كنتُ أفرشُ أسراري.
مع كلِّ بيتٍ أقحمتُكَ فيه، نزعتُ قطعةً حتى تعرَّيت.
بيتٌ يضمُّ صِغري، وبيتٌ يضمُّ ضعفي، وخوفي وأخطائي وعيوبي؛ جعلتُ كل واحدة في بيت.
بيتٌ فيه حبّي الأوّل، وبيتٌ فيه من تحرّش بي، وبيتٌ فيه من تخلّى عنّي، وما تخلّيت.
بيتٌ فيه أحلامٌ مستحيلة، وبيتٌ فيه فرصٌ ضائعة، وبيتٌ اجتمعَ فيه ما لم أرد أو تمنيت.
بيتٌ فوضى، وبيتٌ ظلمة، وبيوتٌ كثيرةٌ بكيتُ فيها حتى ما عدتُ بكيت.
سنينَ وأنا أُغلقُ أبوابها بمفتاحِ سَترِ الله، ولم أتأذَّ يومًا أو انحنيت.
لكن حين أدخلتُكَ داري… آذيتني، ثم وليت.
تركتني ذليلةً وسطَ الدارِ بعد أن وليت.
ألتفت أرى قِطَعي مبعثرةً، كلَّ قطعةٍ في بيت.
ولأوّلِ مرّةٍ سخِفتني روحي، ولأوّلِ مرّةٍ شعرتُ أنّي انتهيت.
واليوم، بعد عامين، ها أنا أكتبُ إليكَ، وأنا أُغلقُ آخرَ باب.
بعد أن حملتُ الدارَ كلَّها وألقيتُها في جهنم، في المكان الذي يليقُ بها في العذاب.
قالوا: لا بُدّ أن تُسميها باسمٍ يُعبّر عن كلِّ ما كان في الدار.
فسميّتُها باسمك… فمبروكٌ عليكَ الدار.
فتح الأبواب: دخول الشخص إلى دارك المظلمة
كنت أعتقد أن حضوره سينير هذه البيوت ويزيل الفوضى والظلمة. ومع كل سر وكل وجع كشفته له، شعرت أنني أتعرى داخليًا، حتى جاء الفراق ليكشف أن ما اعتقدته نورًا كان عتمة.
هنا يظهر تأثير الخيانة والفراق على كل بيت من البيوت الداخلية. تعلمت أن إدخال شخص إلى أعماقك يتطلب حكمة، وأن القوة الداخلية تظهر في القدرة على مواجهة خيبات الأمل.
التعرّي أمام الآخر: الشعور بالذل وفقدان السيطرة
بعد أن تخلى عني ذلك الشخص، شعرت بالذل الشديد، هو لم يرحل وحيدا بل أخذ معه أسراري وعيوبي وذنوبي، كل وجع بدا وكأنه يتحرك معي في كل مكان. كنت أبحث عن سبب لأغفر له وأفهم لماذا فعل بي ذلك، لكني لم أجد تفسيرًا، وكان الاتصال به بلا رد لعدة أشهر، حتى التقيت به صدفة وأخبرني: "إني سامحتك عن كل أخطائك (دون أن يذكر خطأ واحد من اخطائي لأنه لن يجده)، وإن غفرتي لي فهذا جيد وإن لم تفعلي فلنا موعد أمام الله".
في تلك اللحظة قررت أن لا أغفر له ابدا، لأنه استهان بالوجع الذي الحقه بي، بل استهان بعقاب الله له في الآخرة، لنا موعد في الآخرة أمام الله أكيد، ولكنني لن أذهب بيد فارغة بل بدار مالوجع وأضعها له في جهنم، عندئذ سيتمنى لو أنه طلب المغفرة في الدنيا، أما عن نفسي فكان يجب أن أحتضن وجعي واطبطب على جرحي وأواصل طريقي لأن الحياة لن تقف لأجلي. هذه التجربة علّمتني أن القوة الداخلية ليست فقط في الاستمرار بالحياة، بل أيضًا في القدرة على وضع الحدود وإعادة ترتيب الفوضى الداخلية، دون أن يسيطر عليك الغضب أو الرغبة بالانتقام الشخصي.
إغلاق الأبواب: إعادة ترتيب الدار وإلقائها في جهنم
ولأن الله في الوجود، سيأتي ذلك اليوم الذي ترى فيه العدالة الإلهية دون مجهود منك.
لذلك أقول لكل من يمر بتجربة الخيانة والفراق: ارخِ قبضتك عن كل ما يؤذيك ففي قبضة الله كل ما يؤذيك.

تعليقات
إرسال تعليق
نحن نؤمن أن كل قارئٍ يحمل بداخله سؤالًا ينتظر الإجابة، وفضولًا يستحق الإشباع، وروحًا تستحق الرفق، ونحن هنا لننصت، نفهم، ونشارك، فلا تبخل علينا بصوتك.