تونس بين العصر القديم واليوم: حكاية أرض وتاريخ طويل

القائمة الرئيسية

الصفحات

تونس بين العصر القديم واليوم: حكاية أرض وتاريخ طويل

تونس، هذه البلاد ذات التاريخ العريق، تجمع بين حضارات العصر القديم وتحديات العصر الحديث. من قرطاج وأمجاد حنبعل إلى ثورة الياسمين وبناء الجمهورية، تمتد قصة تونس على مدى آلاف السنين. في هذا المقال، نستعرض تطور تونس بين العصر القديم واليوم، نرصد أمجادها، محنها، ونحاول فهم التحولات التي شكّلت هويتها المعاصرة.

تونس بين العصر القديم واليوم
قبرص بتونس

تأسيسها:

أسست الأميرة الفينيقية عليسة أو (أليسار) قرطاج سنة 814 ق م، بعد وفاة والدها ملك مدينة صور (لبنان)، طمع أخيها بيغماليون في الحكم وحاول قتلها، فأبحرت رفقة أصحابها وكنوزها إلى أن اكتشفت مدينة قرطاج أو "قرت حدشت" كما سموها بمعنى "المدينة الجديدة" والتي كانت موطن البربر السكان الأصليون.
ومن القرن 7 ق م إلى القرن 4 ق م، بسطت قرطاج إمبراطوريتها وأسست مستعمرات فينيقية جديدة. 
الاميرة عليسة مؤسسة قرطاج، تونس اليوم
تمثال عليسة بمتحف بباريس

العلاقة بين قرطاج وروما: 

في العصر القديم، بدءا من عام 480 ق م، خاضت قرطاج سلسلة من الحروب ضد دول الاغريق(اليونان)، منها معركة هيميرا (حرب صقلية الاولى) بين قرطاج وإغريق صقلية، بدافع التجارة في البحر الأبيض المتوسط بقيادة حملقارت، التي أسفرت عن خسارة قرطاج، إذ قتل الجيش كله، ودمرت سفنهم ، وانتهت بانتحار حملقارت، الذي تسبب في تغيير حكومة قرطاج من أرستقراطية إلى جمهورية.
وتواصلت سلسلة من الحروب في صقلية تحت قيادة سرقوسة، وبحلول عام 264 ق م أصبحت قرطاج القوة المهيمنة على جزيرة صقلية، وبرزت  إلى جانب روما من بين القوى العظمى، اذ كانت تونس حينذاك مهيمنة على جنوب إسبانيا، ومعظم المناطق الداخلية في شمال إفريقيا، وجزر البليار وكورسيكا وسردينيا والنصف الغربي من جزيرة صقلية. 

كانت العلاقة بين قرطاج وروما علاقة طيبة، إذ أعلنا الطرفان عن الصداقة بينهما بإبرام 3 تحالفات رسمية، لسنة 509ق م و 348 ق م و 279 ق م، وفي الحرب البيروسية بين روما في إيطاليا وقرطاج في صقلية ضد ملك إبيروس، وفرت قرطاج العتاد العسكري للرومان، وسخرت سفنها البحرية لنقل القوات الرومانية.

لكن بعد إخضاع روما جنوب إيطاليا إلى سلطتها، طمعت في صقلية، التي كانت تحت هيمنة قرطاج، فدخلت قرطاج وروما ثلاث حروب عظيمة سميت بالحروب البونيقية وهي "أطول حربا في التاريخ" حسب المؤرخ الإغريقي بوليبيوس.

الحروب البونيقية:

الحرب البونية الأولى:

دخلت قرطاج وروما في حرب عام 264 ق م، وهو عام بدء الحرب البونية الأولى، إستمرت الحرب 23 سنة، وانتهت سنة 241 ق م  بهزيمة القرطاجيين، ووفق أحكام معاهدة السلام، على القرطاجيين دفع تعويضات عن الحرب لصالح روما.
قدم القرطاجيون مالا كثيرا للرومان، فلم يبق لديهم مال لدفعه، فغضب هؤلاء، وبدؤوا حربا ضد قرطاج سنة 241 ق م بمساعدة نوميديا، وتسمى "بحرب الأجراء" أو "حرب اللاهدنة" لأنهما رجما كل من تحدث عن هدنة.
وبعد سنوات، انتصر القائد القرطاجي العظيم "حملقار برقا" وانطلق ليستعمر إسبانيا سنة 236 ق م، حتى مات في القتال سنة 228 ق م.

الحرب البونية الثانية:

بعد وفاة القائد "حملقار برقة" قاد جيشه أميرال الأسطول القرطاجي "عزربعل" وبعده أصبح قائدا للجيش ولد "حملقار برقا" ومن أعظم القادة العسكريين "حنبعل".
كان "حنبعل" يكره الرومان ويظن أن قرطاج ستفشل كليا إن لم تحتل روما، وبالفعل في سنة 219 ق م هاجم "حنبعل" ساغونتوم وهي مدينة مستقلة وراء نهر الإيبرو وبدأ "الحرب البونية الثانية".

اجتاز القائد "حنبعل" جبال الألب في 218 ق م بواسطة أفياله ولما وصلوا الى إيطاليا استطاع هزيمة الجيوش الرومانية وحاصر روما لمدة 15 عام، الى أن هزم على يد "شيبيون الإفريقي" في "معركة زامة" في 202 ق م، فسعت قرطاج إلى السلام.

إتفق الطرفان على إتفاقية سنة 201 ق م، جردت قرطاج من ممتلكاتها في ما وراء البحار، بالاضافة إلى تعويضات تدفعها لمدة 50 سنة، كما منعت من شن الحروب من دون إذن روما.
القائد العسكري حنبعل من أعظم قداة تونس في العصر القديم
اجتياز حنبعل جبال الالب بواسطة أفياله


الحرب البونية الثالثة:

في عام 195 ق.م، وبعد أن تم نفي "حنبعل" من قرطاج، أخذ ماسينيسا ملك نوميديا جزءا كبيرا مما كان تحت ملك قرطاج، من عنابة في الجزائر حتى لبدة كبرى في ليبيا، وهو يعلم أنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم دون إذن من حليفه روما، إلى أن نفذ صبر قرطاج وأعلنت الحرب على نوميديا، ما جعل روما تعلن الحرب على قرطاج.
وهجموا على قرطاج في "الحرب البونية الثالثة"، التي كانت أسرع من الحروب التي قبلها.
حاصر جنود روما قرطاج لمدة 3 سنوات ثم نجحوا في دخولها، فقتلوا رجالها، وسبوا نسائها، وحرقوا المدينة ودمروها بالكامل، ونثروا الملح بأرضها وحرثوها بالمحراث لكي لا ينموا فيها أي نبات ولا يسكنها أحد، وانتهت قرطاج وثبتت أقدام روما.

قرطاج الرومانية:

بعد قرون، قرر حاكم روما "يوليوس قيصر" أن يبني هناك قرطاج جديدة ليسكنها الرومان، وأصبحت عاصمة إفريقية الرومانية، وشهدت فترة من الإزدهار الكبير إلى أن صار تقهقر في الإمبراطورية الرومانية سنة 235 م ، وعمت الفوضى في قرطاج.
وفي حكم الإمبراطور الروماني "قسطنطين الأول" سنة 312 م عاد الإزدهار والرفاهة إلى قرطاج وشهدت إنتشار الدين المسيحي.
وبين سنة 439 و 534 م تعرضت الى هجمات من الوندال (الأندلس) حتى تم ضمها إلى الدولة التي أسسها الوندال في القرن 5 م التي تشمل(فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وقرطاج وصقلية)، دامت 8 سنوات ثم سقطت قرطاج مرة أخرى سنة 440 م، وتعرضت معالمها للنهب والتدمير والحرق.
إلى أن حرر بيليزار البيزنطي قرطاج من الوندال سنة 534م وعرفت المدينة نهظة جديدة.

قرطاج الإسلامية:

كان بداية الفتح الإسلامي على يد الخليفة الأموي حسان بن النعمان مع القائد العسكري عقبة إبن نافع سنة 670م، ولكن إنتصار حسان بن النعمان على التحالف البيزنطي والبربري كان سنة 698م، ومن ثم أصبحت القيروان هي العاصمة الإفريقية وليست قرطاج.
عقبة ابن نافع
عقبة إبن نافع


بين الماضي والحاضر: كيف تغيّرت تونس من العصر القديم إلى اليوم؟

أصبحت قرطاج منذ بداية القرن 20 م مقرا لإقامة الأمين باي آخر بايات تونس، وأعلن رئيس الحكومة الفرنسي مانداس فرانس عن إستقلال تونس سنة 1954، و كان الرئيس الحبيب بورقيبة أول رئيس جمهورية في تونس سنة 1957، ثم صارت "ثورة الياسمين" بتونس في 17 ديسمبر 2010 وهي أول ثورات الربيع العربي، مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية في ظل حكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي دام 23 سنة، ومنذ سنة 2019 تسلم الرئيس قيس سعيد وهو سابع رئيس للجمهورية التونسية مهامه كرئيس لتونس.

 
رئيس الجمهورية التونسية
رئيس الجمهورية قيس سعيد

تونس قرطاج التي كان لها الكثير من الأعداء  عبر التاريخ منهم الروماني مارقوس كاتون الذي كان يختم كل خطاب له في المجلس بصرخة "carthago delenda est" 
أي "علينا أن ندمر قرطاج" إلا أنها كانت بعد قرون البلد الذي يتغنى به الشعراء  منهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش "كيف نشفى من حب تونس".وهكذا، تظل تونس من العصر القديم حتى اليوم، مثالًا على الصمود والتجدد.

تونس قرطاج التي دمرت و نهبت وحرقت وحرثت أرضها ونثر بها  الملح لكي لا ينبت فيها أي نبات مازادها إلا إخضرار وجمال.

كما قال أبو القاسم الشابي:
أنا يا تونس الجميلة في لج    الهوى قد سبحت أي سباحه
شرعتي حبك العميق وإني     قد تذوقت مره وقراحه
لست أنصاع للواحي ولو مت     وقامت على شبابي المناحه
لا أبالي...وإن أريقت دمائي      فدماء العشاق دوما مباحه
وبطول المدى تريك الليالي      صادق الحب والولا وسجاحه
إن ذا عصر ظلمة غير أني      من وراء الظلام شمت صباحه
ضيع الدهر مجد شعبي ولكن     سترد الحياة يوما وشاحه

تعليقات

التنقل السريع