في زمنٍ تكثر فيه الشعارات وتقلّ فيه الأفعال، تأتي شهادة امرأة فلسطينية لتكشف عن وجهٍ آخر للوجع، وجهٍ لا ترويه الأخبار ولا تنقله العدسات. هذه القصة ليست خيالًا أدبيًا، بل هي صرخة صادقة بعنوان: "أختي تحت القصف: شهادة امرأة فلسطينية وخذلان العرب".
في هذا المقال، نستعرض حكاية موجعة لامرأة عربية صامدة، تتحدى الحطام بالصمت، وتنتظر من إخوتها ما لم يأتِ. إنها ليست فقط قصة أختي تحت القصف، بل قصة كل امرأة فلسطينية في زمن خذلان العرب.
1. حين سقط الصاروخ على بيت أختي: بداية الألم الفلسطيني
أختي امرأة نقية كالزهراء، قوية كالشمس، حنونة، بسيطة، طاهرة، وكل الكلمات تعجز عن وصف جمالها.
نحن اثنان وعشرون أخاً وأختاً، أمُّنا عربيةٌ أصيلة، ورثنا عنها لغتنا، وأدبنا، وديننا، وعاداتنا. كنا نجتمع في حضنها، قلوبنا واحدة، حتى ماتت، تفرّقنا. أخواتنا السبع الأكبر سنّاً هم أفصحنا لساناً، والكل يشهد لهم بالفروسية والشجاعة. أما الخمس المواليين لهم، ومن بينهم أختي هذه، فهم الأكبر علماً، والأكثر إشراقاً بالحضارة والثقافة والجمال. فيهم الفقيه، والطبيب، والمفكر، والفيلسوف، والمترجم.
أما أوسطنا ومحور الدائرة فينا، فهي لا تقل عن أخواتها شأناً في العلم والرقي، بل إن ذكرت العمارة والهندسة، فلا يُذكر إلا اسمها.
أما أنا وأخواتي الأربع في الوسط، فيُلقبوننا بـ"الأحرار"، فنحن من أسس الممالك، وخضنا الفتوحات، حيثما كانت المقاومة وكلمة الحق، كنا نحن هناك في الصفوف الأولى.
رجالنا أحرار كما نساؤنا، لا تفريق بيننا، لهن ما للرجال وعليهن ما عليهم.
أما أخواتنا الصغار، فهدوؤهم كهدوء الطبيعة، وصبرهم كمن يصطاد من البحر، فهم شعراء البيت.
في يومٍ كنا فيه نيام، كانت أختي تحت القصف.
![]() |
| إمرأة فلسطينية تحت القصف |
2. شهادة امرأة فلسطينية وسط الحطام: صمود بلا دموع
أمضت أختي، ليلتها كاملة جالسة فوق الركام، وسط الحطام، بعينين شاخصتين لا رمش لهما، مدهوشة من هول ما رأت، ولم تنزل من عينيها دمعة واحدة.
على يمينها، جثة زوجها ملقاة بجوارها، فتدفّقت في ذاكرتها أيام الحب والأحلام والتضحيات التي جمعتهما.
وعلى يسارها، كيسًا صغيرًا وضعت فيه أشلاء ابنها الأكبر، واستعادت كل لحظات حملها به، ورضاعته، وسهرها عليه حتى كبر.
ثم نظرت إلى حجرها، فرأت رضيعها يصرخ من شدّة الإصابة، فبدأت تهزّ ساقيها محاولة تهدئته، وتُغني له بصوتٍ مكسور لا يكاد يُسمع:
"تحمّل حتى الغد يا صغيري... فإخوتي سيأخذون بثأرنا، فبينهم الطبيب، والفارس، والمهندس، والأحرار، والشعراء."
3. صرخة تحت الركام: نداء أختي لإخوتها العرب
ناديتُ إخوتي: افزعوا لي،
قُصف بيتي، فلا مكانَ لي.
بين الحطامِ قضيتُ ليلتي،
أرقبُ فجراً بثأر إخوتي.
جثّةُ زوجي على يميني،
كان نِعْمَ الزوجِ ونِعْمَ الخليلي.
وأشلاءُ ابني على يساري،
في كيسٍ جمعتها... بقلبي العليلِ.
وفي حجري رضيعٌ يتوسلُ لي،
غذَّيتِ جوعي، فهلاّ تُشفيني؟
فكيف أُخبرهُ: لا حول لي ؟
والوجع عنده زاد من وجعي.
ناديتُ إخوتي: افزعوا لي،
قُصف بيتي، فلا مكانَ لي.
بين الحطامِ قضيتُ ليلتي،
أرقبُ فجراً بثأر إخوتي.
توأمي طبيبٌ من بلادِ الشامِ
وأخي العراقيُّ ذو علمٍ سامي
تعالوا، ابني ينزفُ دمكم من دمائي
فكان الجوابُ، وإنْ جُرِحتُ، فمن أينَ دوائي؟
وإخواني منْ جزيرةِ العربِ واليمنِ
يشهدُ التاريخُ بفروسيتِهم والزمنِ
ألا تسابقتمْ لنصرِ أختٍ في كربِ؟
بلْ نتسابقُ: مَن يَفُزْ أولًا في اللعِبِ!
ولي أخوة، كثيرُهُم مهندسٌ ومعماري،
بنَوا الأهراماتِ، وصاغوا الحضاري ،
أليسَ فيكمْ مَن يُشيّدُ لي داري؟
فلبّوا ندائي... وبنَوا، بنَوا حصاري!
ومن اثنينِ وعشرينَ أخًا، لي خمسةٌ أحرار،
كانَ وجعي يوجِعُهمْ يومَ كنّا في ذاتِ الديار،
ولا يُعجزُهمْ ألفُ غريبٍ، عدوٍّ جَبّار،
ولكنْ... سبعة عشر تعيي خمسة أحرار!
ومن إخوتي في الجنوبِ شعراءٌ، ما وجدوا ما يكتبوه،
وكانت حروفُهم للجمالِ، فكيفَ للخرابِ أن يصفوه؟
عظُمَ الأمرُ عليهم، ثم قالوا: اتركوه،
أن مَن أشقاهُ ربي، كيف أنتم تُسعدوه؟
ناديتُ إخوتي: افزعوا لي،
قُصف بيتي، فلا مكانَ لي.
بين الحطامِ قضيتُ ليلتي،
أرقبُ فجراً بثأر إخوتي.
يا أمي، ماتت العروبة، وخيانةُ الأهلِ زادتْ الهمومْ
يا رسولي، لم نجدْ نفوسًا للجهادِ ترومْ
لا مالٌ، لا لسانٌ، لا قلوبٌ للظلمِ تلومْ
والإيمانُ اليومَ ما هو بالضعيفِ، بل غدا فينا معدومْ
4. الخذلان العربي في وجه المأساة الفلسطينية
جاء الصباح حاملاً معه الخذلان لأختي. نادت، فارتفعت أصواتنا فوق صوتها، لا استجابةً، بل خصامًا، كلٌّ منا يقول لأخيه: "اذهب أنت". جاعت، فشبعنا. عطشتْ... فخضنا نقاشًا عن أطول الأنهار!
وحين استيقظت النخوة أخيرًا فينا، وجهّزنا القوافل، وبدا الأمل يشعّ في عيني أختنا، خذلناها من جديد، وعدنا من منتصف الطريق لأننا تشاجرنا: "كلٌّ منا قال: دعوها تمر من غير أرضي".
في زمنٍ كانت الدف تجمعنا وتفرّقنا العصا، صارت لا تجمعنا عصا، وتفرّقنا دف.
5. حين ماتت أختي... اجتمعنا نرفع الشعارات
واليوم... ماتت أختي. وأخيرًا حدث المستحيل: اجتمعنا، وقررنا. قررنا أن نطالب بحقها، أن نرفع الشعارات: "من قتل أختي؟" وكأننا لم نفعل.
لقد ماتت أختي تحت القصف، ونحن السبب، لأن خذلاننا كعرب كان أسرع من نجدتنا. هذه حكاية كل امرأة فلسطينية تحمل إرث المقاومة، والحب، والإيمان بالأمة.
اليوم، بعد أن خذلها الجميع، رفعنا الشعارات وتساءلنا: "من قتلها؟"، وكأننا لسنا القاتلين بصمتنا وتخاذلنا.
هذه شهادة امرأة فلسطينية ليست للتاريخ فقط، بل للمستقبل، لمن سيقرأ ويستفيق.
فليكن هذا النص تذكيرًا دائمًا بأن خذلان العرب لا يُمحى إلا بالفعل، لا بالكلام.

تعليقات
إرسال تعليق
نحن نؤمن أن كل قارئٍ يحمل بداخله سؤالًا ينتظر الإجابة، وفضولًا يستحق الإشباع، وروحًا تستحق الرفق، ونحن هنا لننصت، نفهم، ونشارك، فلا تبخل علينا بصوتك.