كل ما تحتاج معرفته عن متلازمة توريت: الأسباب والعلاج والتشخيص

القائمة الرئيسية

الصفحات

كل ما تحتاج معرفته عن متلازمة توريت: الأسباب والعلاج والتشخيص

 تخيل أنك تقوم بحركات متكررة أو تصدر أصواتًا غريبة دون أن تقرر ذلك مسبقًا. هل يبدو الأمر غريبًا؟ هذا بالضبط ما يعيشه المصابون بـ متلازمة توريت، اضطراب عصبي يؤثر على الحركة والصوت بطريقة لا إرادية. في هذا المقال، سنتناول تعريف متلازمة توريت، أعراضها، أسبابها، والعلاجات المتاحة للتخفيف من تأثيراتها على المصابين.

ماهي متلازمة توريت؟

صورة توضح أعراض متلازمة توريت
صورة توضح أعراض متلازمة توريت


متلازمة توريت، هو اضطراب عصبي يتجلى من خلال تشنجات حركية أو صوتية لاإرادية، يصعب على الشخص التحكم بها.
يصاب الذكور بمتلازمة توريت بنسبة أكبر من الإناث، حيث تشير الدراسات إلى أن الإصابة لدى الذكور تصل إلى ما بين ثلاث إلى خمس مرات أكثر مقارنة بالإناث.

انتشار متلازمة توريت بين الأطفال

بحسب الإحصائيات الحديثة، يُقدَّر أن نحو طفل واحد من كل 100 طفل يعاني من شكل من أشكال التشنجات اللاإرادية، بينما تؤثر متلازمة توريت تحديدًا في طفل واحد من بين كل 160 طفلًا. هذه الإحصائيات تبرز أهمية التعرف المبكر على متلازمة توريت للتعامل معها بشكل مناسب.

هل متلازمة توريت مرض عقلي؟

تُعرَف متلازمة توريت طبيًا باسم "اضطراب عصبي نفسي" (Neuropsychiatrique)، أي أنها تقع في نقطة التقاء بين الاضطرابات العصبية (المرتبطة بوظائف الدماغ والجهاز العصبي) والاضطرابات النفسية (التي تؤثر على المشاعر والسلوك). ولذلك، فهي لا تُعد مرضًا نفسيًا خالصًا، ولا يمكن تصنيفها كمرض عقلي بالمفهوم التقليدي.
بينما يعاني نحو 85% من المصابين بمتلازمة توريت من اضطرابات نفسية مصاحبة، مثل:
  • اضطراب نقص الانتباه مع أو بدون فرط حركة (ADHD): حيث يواجه الطفل صعوبة في التركيز والسيطرة على نشاطه.
  • الوسواس القهري (OCD): ويتجلى في تكرار أفكار أو سلوكيات معينة بشكل قهري.
  • اضطرابات طيف التوحد: والتي تؤثر على التواصل والسلوك الاجتماعي.

هل متلازمة توريت تُعدّ خطيرة؟

رغم أن التشنجات اللاإرادية التي تُرافق متلازمة توريت قد تُثير الانتباه أو تخلق مواقف محرجة، إلا أن المتلازمة لا تُعتبر خطيرة من الناحية الطبية البحتة. فهي لا تؤثر على مستوى الذكاء، ولا تُقصّر العمر، ولا تُعيق القدرات العقلية أو الإدراكية. لكن التحديات النفسية والاجتماعية قد تؤثر بشكل كبير على الشخص، خاصة عند تعرضه للتنمر أو الإحراج في المواقف الاجتماعية.

هل تُصيب متلازمة توريت الكبار؟ وهل تظهر فجأة؟

من النادر جدًا أن تظهر متلازمة توريت لأول مرة في مرحلة البلوغ. وإذا وُجدت أعراض شبيهة في الكبر، فإن الأطباء يبحثون غالبًا عن أسباب أخرى، مثل اضطرابات عصبية أو نفسية مختلفة. إذن، كبار السن لا يُعتبرون فئة يبدأ عندها المرض، ولكن يمكن أن تستمر الأعراض معهم إذا بدأت في طفولتهم.

ماذا يحدث للمصابين مع التقدم في العمر؟

مع تقدم العمر، وخاصة بعد سن المراهقة، تميل أعراض متلازمة توريت إلى التراجع. ففي بعض الحالات تختفي التشنجات تمامًا، وفي حالات أخرى تقل وتيرة وشدة الأعراض بشكل ملحوظ. وهذا يعني أن الكثير من البالغين الذين عانوا من التوريت في طفولتهم يعيشون حياة أكثر هدوءًا من حيث الأعراض مع التقدم في السن.

هل تظهر متلازمة توريت فجأة؟

متلازمة توريت لا تظهر فجأة من حيث تطورها العام، فهي غالبًا ما تكون تدريجية، تبدأ بعَرّة بسيطة قد لا تُلاحَظ في البداية، ثم تتطور بمرور الوقت، لكنها تتجلى في أعراض تظهر فجأة وتختفي فجأة.

أعراض متلازمة توريت

تظهر أولى علامات متلازمة توريت في مرحلة الطفولة، تحديدًا بين سن عامين إلى 15 عامًا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 90% من المصابين تظهر عليهم الأعراض قبل بلوغ سن 11 عامًا. تشمل الأعراض:

 التشنجات اللاإرادية (Tics)

تُعتبر التشنجات اللاإرادية العلامة المميزة لهذه المتلازمة، وتأتي في شكل حركات مفاجئة أو أصوات متكررة لا يستطيع الشخص التحكم بها. وهذه التشنجات تنقسم إلى نوعين رئيسيين:

1. التشنجات الحركية (الجسدية):

وهي تشمل حركات عضلية مفاجئة، وتتراوح بين بسيطة ومعقدة:
  • البسيطة: مثل رمش العين، هز الكتفين، أو تكشير الوجه.
  • المعقدة: كالقفز، لمس الأشياء أو الأشخاص، الدوران في المكان، أو القيام بإشارات بذيئة.

2. التشنجات الصوتية (اللفظية):

وهي الأصوات التي يصدرها المصاب دون رغبة منه، وقد تكون:
  • بسيطة: كالسعال، التنحنح، الشخير، أو نقر اللسان.
  • معقدة: مثل تكرار كلمات أو عبارات معينة، أو التلفظ بألفاظ غير لائقة – علمًا أن هذه الأخيرة تُعد نادرة وتظهر فقط في نحو حالة واحدة من كل عشر حالات.

سمات التشنجات وتقلبها

من اللافت في متلازمة توريت أن حدة التشنجات تختلف من يوم إلى آخر. فقد تكون خفيفة وغير ملحوظة أحيانًا، وتصبح أكثر وضوحًا في أوقات أخرى. ومن بين العوامل التي تؤدي إلى ازديادها:
  • التوتر والضغوط النفسية
  • القلق
  • التعب والإرهاق الجسدي
ومن المفارقات أن هذه التشنجات قد تختفي أو تخف مؤقتًا أثناء النوم، أو عندما يكون الشخص منشغلاً بنشاط يتطلب تركيزًا ذهنيًا عاليًا، كحل مسألة رياضية أو لعب الرياضة.

الأحاسيس التمهيدية (Premonitory Sensations)

قبل حدوث التشنج، يشعر بعض المصابين بما يُعرف بـ"الرغبة المنذرة" أو الإحساس المُسبق، وهو شعور مزعج لا يزول إلا بحدوث التشنج. من أمثلته:
  • شعور بالحرقان في العين قبل الرمش
  • إحساس بجفاف أو ألم في الحلق قبل إصدار صوت
  • حكة في العضلات أو المفاصل قبل القيام بحركة معينة
هذه الأحاسيس تشبه ما يشعر به الشخص قبل العطاس أو الحكة، وتدل على وعي جزئي لدى المصاب بحدوث التشنج الوشيك.

القدرة على كبت التشنجات

رغم أنها لا إرادية، إلا أن بعض الأفراد يستطيعون كبح التشنجات مؤقتًا، خصوصًا في المواقف الاجتماعية أو الرسمية. لكن هذا الكبح يتطلب جهدًا عقليًا كبيرًا، ويُشبه حمل ضغط داخلي قد يؤدي إلى انفجار لاحق في التشنجات عند زوال التركيز أو الخروج من الموقف الضاغط.

ما الذي يسبب متلازمة توريت؟

لا يزال السبب الدقيق خلف متلازمة توريت غير معروف تمامًا إلى الآن، لكن العلم كشف لنا عن مجموعة من العوامل المتداخلة التي قد تفسر ظهور هذه الحالة المعقّدة.

 الوراثة: البصمة التي نرثها

تشير الدراسات الحديثة إلى أن للجينات دورًا أساسيًا في تطور متلازمة توريت. يُعتقد أن المتلازمة متعددة الجينات (أي لا تتبع نمطًا وراثيًا بسيطًا)، وقد تم تحديد جين محتمل يُدعى SLITRK1 له علاقة بتنظيم الاتصالات العصبية في الدماغ.
كما أن نسبة انتقال المتلازمة من أحد الأبوين المصابين إلى الأبناء قد تصل إلى 50%، ما يدعم فرضية الوراثة السائدة في بعض الحالات. إذًا، وجود تاريخ عائلي هو عامل خطر رئيسي يجب عدم تجاهله.

 البيئة: حين تتدخل الظروف المحيطة

ليست الجينات وحدها المتسببة في الإصابة بمتلازمة توريت، بل هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن عوامل بيئية قد تسهم في زيادة احتمال الإصابة، منها:
  • العدوى أثناء الحمل أو بعد الولادة، خاصة العدوى بالمكورات العقدية (streptocoques)، والتي قد تؤدي إلى استجابة مناعية مفرطة تُهاجم الدماغ عن طريق الخطأ.
  • التعرض للسموم أو المواد الكيميائية.
  • التوتر النفسي الشديد، خاصة في مراحل مبكرة من النمو.
هذه العوامل لا تُسبب المتلازمة مباشرة، لكنها قد تُسرّع ظهور الأعراض لدى من لديهم استعداد وراثي.

 الدماغ: خلل في الكيمياء العصبية

تُظهر الفحوصات العصبية وجود تشوهات في بعض مناطق الدماغ، خاصة في الفص الجبهي والنوى القاعدية، وهي مناطق مسؤولة عن التحكم في الحركة والسلوك.
كما يُعتقد أن هناك اختلالًا في توازن النواقل العصبية، مثل:
  • الدوبامين: المرتبط بالحركة والانفعالات.
  • السيروتونين: المرتبط بالمزاج والسلوك.
هذا الاختلال قد يُفسّر طبيعة التشنجات اللا إرادية التي يعاني منها المصابون.

هل يمكن التخلص من متلازمة توريت؟

لا توجد طريقة للتخلص من متلازمة توريت بشكل نهائي، لكن هناك العديد من الوسائل الفعالة التي تساعد على التحكم بالأعراض وتحسين جودة الحياة، خاصة عندما تكون الأعراض مزعجة أو تعيق النشاط اليومي.

العلاج الدوائي: السيطرة على التشنجات

تُستخدم بعض الأدوية لتخفيف حدة التشنجات اللاإرادية (Tics) أو لمعالجة الاضطرابات المصاحبة، وتشمل:
  1. مضادات الذهان (Neuroleptics): تقلل من نشاط مادة الدوبامين في الدماغ، ما يُسهم في تخفيف التشنجات.
  2. أدوية لعلاج حالات مثل:
  • اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
  • الوسواس القهري (OCD).
  • القلق أو الاكتئاب المرتبط بالمتلازمة.
الأدوية لا تُستخدم دائمًا، وتُقرر بناءً على شدة الحالة وتأثيرها على الحياة اليومية.

 العلاج السلوكي: تدريب الدماغ على الهدوء

يُعتبر العلاج السلوكي الشامل للتشنجات (CBIT) من أكثر الطرق فاعلية، ويعتمد على:
  • التعرف على الإحساس المُسبق للتشنج (Premonitory urge): حيث يتعلم الشخص ملاحظة الإحساس الذي يسبق التشنج لمحاولة منعه.
  • الاستجابة التنافسية (Competing response): مثل تدريب العضلات على تنفيذ حركة بديلة خفيفة عندما يشعر الشخص بأن التشنج قادم (مثلاً: إغلاق العين بلطف بدلًا من رمش عنيف).
  • إدارة التوتر والقلق: لأن الضغط النفسي يزيد من التشنجات، فإن تعلم تقنيات الاسترخاء ضروري لتقليل الأعراض.

متى يجب زيارة الطبيب؟

  • عند ظهور حركات أو أصوات لا إرادية متكررة لدى الطفل.
  • إذا كانت التشنجات تؤثر على الدراسة أو العلاقات الاجتماعية.
  • عند وجود قلق، اكتئاب، أو صعوبة في ضبط السلوك.
ليست كل التشنجات تعني وجود متلازمة توريت. بعض العرّات تظهر لفترة قصيرة وتختفي من تلقاء نفسها.
رغم أن متلازمة توريت لا تُعتبر مرضًا خطيرًا من الناحية الجسدية، إلا أن تأثيرها الاجتماعي والنفسي قد يكون كبيرًا. من خلال الفهم الجيد للاضطراب وتوفير الدعم المناسب، يمكن للمصابين بمتلازمة توريت العيش حياة طبيعية ومستقرة.

المصادر:

  1. National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS)

  2. Tourette Association of America (TAA)

  3. Mayo Clinic

تعليقات

التنقل السريع