موريتانيا، المعروفة تاريخيًا باسم "بلاد شنقيط"، تحمل إرثًا ثقافيًا وحضاريًا يمتد عبر العصور. بفضل موقعها الاستراتيجي في شمال غرب إفريقيا، كانت ملتقى للحضارات البربرية والعربية، مما أضفى عليها تنوعًا ثقافيًا فريدًا. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تظل موريتانيا بلدًا غنيًا بالموارد الطبيعية والتاريخ العريق. في هذا المقال، نستعرض المحطات الرئيسية في تاريخ موريتانيا، من العصور القديمة إلى العصر الحديث.
بلاد شنقيط: الجذور التاريخية لموريتانيا
عرفت موريتانيا قديمًا باسم "بلاد شنقيط"، وهو الاسم الذي أطلق عليها في القرن الثاني هجريًا، ويعني "عين الخيل"، ومع نهاية القرن التاسع عشر، وبعد مقاومة شديدة قادها المجاهدون الشنقيطيون ضد الاستعمار الأوروبي، قرر قائد الحملة الفرنسية محو اسم "بلاد شنقيط" وأطلق عليها اسم "بلاد المور".
أما التسمية الحالية "موريتانيا"، فهي مستوحاة من كلمة تعني "أرض الرجال السُمر"، وهو وصف يعكس التنوع العرقي والثقافي لسكان البلاد.
![]() |
| نواكشوط، عاصمة موريتانيا |
موقعها الاستراتيجي وعاصمتها
تقع موريتانيا في شمال غرب إفريقيا، ويحدها المحيط الأطلسي من الغرب. تمتد أراضيها على مساحة 1,030,700 كيلومتر مربع، مما يجعلها من أكبر الدول الإفريقية. عاصمتها نواكشوط، ولغتها الرسمية هي العربية.
مميزاتها
تتميز موريتانيا، بصحراءها التي تغطي 90% من مساحتها، فهي تمتلك أكبر صحراء في العالم.
كما تمتلك من بين أطول القطارات في العالم حيث يبلغ طوله 2.5 كلم.
![]() |
| القطار الموريتاني، من بين أطول القطارات في العالم |
من مميزاتها أيضا إنتاج الصمغ المطلوب عالميا، نظرا لعدة استعمالاته، في الطلاء، الغراء، مستحضرات التجميل، صناعة الحبر والنسيج وغيرها.
![]() |
| الصمغ الموريتاني |
التاريخ القديم لموريتانيا: أرض الحضارات المتعاقبة
تُظهر الأدلة الأثرية أن الإنسان استوطن موريتانيا منذ العصر الحجري السفلي، حيث تم العثور على أدوات حجرية ورسومات صخرية تدل على وجود مجتمعات زراعية وصيادين. ومع مرور الزمن، تغير المناخ وأصبحت البلاد أكثر جفافًا، مما أدى إلى هجرة العديد من السكان نحو المناطق الأكثر خصوبة.
في القرن الثالث الميلادي، استوطنت قبائل أمازيغية المنطقة، وعلى رأسها صنهاجة، التي لعبت دورًا بارزًا في تشكيل الهوية الثقافية لموريتانيا. ومع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، اندمجت الثقافات العربية والبربرية، مما أسس لنسيج اجتماعي متنوع.
في القرن الثالث الميلادي، استوطنت قبائل أمازيغية المنطقة، وعلى رأسها صنهاجة، التي لعبت دورًا بارزًا في تشكيل الهوية الثقافية لموريتانيا. ومع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، اندمجت الثقافات العربية والبربرية، مما أسس لنسيج اجتماعي متنوع.
![]() |
| صورة لطفل من أصول أمازيغية في موريتانيا |
موريتانيا في العصور الإسلامية: دور محوري في المنطقة
مع انتشار الإسلام، أصبحت موريتانيا جزءًا من إمبراطورية المرابطين، التي لعبت دورًا بارزًا في نشر الإسلام في غرب إفريقيا. شكلت هذه الفترة نقطة تحول في تاريخ البلاد، حيث أصبحت الثقافة الإسلامية والعربية جزءًا أساسيًا من هوية الموريتانيين. حيث يقدر أن 99% من سكان موريتانيا مسلمون، وعلى غرار البلدان الأخرى فإن موريتانيا، الحرية الدينية فيها مفقودة، ولا يمكن لغير المسلمين ممارسة شعائرهم علنًا.
الثروات الطبيعية في موريتانيا: فرص اقتصادية غير مستغلة
تمتلك موريتانيا موارد طبيعية ضخمة، أبرزها:
- الحديد الخام: يعد من الأعلى جودة عالميًا، بنسبة تركيز تصل إلى 80.64%.
- النحاس والذهب: حيث تضم ثاني أكبر منجم ذهب في العالم.
- الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر: موارد ناشئة قد تشكل مستقبل الاقتصاد الموريتاني.
- الثروة السمكية: تمتد سواحل موريتانيا على 724 كلم، مما يجعلها من أغنى المناطق بالصيد البحري، بفضل التيار البارد القادم من جزر الكناري.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية
1. العبودية الحديثة: إرث لم يُمحَ بعد
رغم أن العبودية ألغيت رسميًا عام 1981، إلا أن هذه الممارسة لا تزال قائمة في موريتانيا خاصة في بعض المناطق الريفية. تشير التقديرات إلى أن 17% من سكان موريتانيا يعيشون في ظروف استرقاقية، مما يجعل موريتانيا في صدارة الدول التي تعاني من "العبودية العصرية"، رغم القوانين التي تجرّم العبودية منذ عام 2015.
2. البنية التحتية والخدمات الأساسية
- الكهرباء: لا تتجاوز نسبة الوصول إلى الكهرباء 30%، مع تفاوت كبير بين المدن والريف.
- المياه الصالحة للشرب: يحصل فقط 58% من السكان على مياه نظيفة، بينما يعيش 14% فقط من سكان الريف في ظروف تضمن لهم صرفًا صحيًا ملائمًا.
موريتانيا في العصر الحديث: صراعات سياسية وتحولات كبرى
الاستعمار والاستقلال
خضعت موريتانيا للحكم الفرنسي في أوائل القرن العشرين، قبل أن تعلن استقلالها في 28 نوفمبر 1960، بقيادة الرئيس المختار ولد داداه. لكن سرعان ما دخلت البلاد في نزاعات سياسية واقتصادية، خاصة مع اندلاع أزمة الصحراء الغربية، عندما انسحبت إسبانيا من الصحراء الإسبانية، وتم تنفيذ اتفاقيات مدريد التي منحت المغرب وموريتانيا إدارة المنطقة دون أن تمنحهما السيادة الكاملة، هذا النزاع الطويل الأمد، أثّر بشكل كبير على موريتانيا، مما أدى إلى انسحابها من النزاع سنة 1979 بتوقيع معاهدة سلام مع جبهة البوليساريو.
عصر الانقلابات والتغيرات السياسية
منذ الاستقلال، شهدت البلاد سلسلة من الانقلابات العسكرية، أبرزها:
- 1984: استيلاء العقيد معاوية ولد الطايع على السلطة، الذي استمر حتى 2005. في عهده، شهدت موريتانيا العديد من الانتهاكات وخاصة ضد السود الموريتانيين، الذين وقع ترحيلهم، حيث تم طرد حوالي 70,000 من الأفارقة السودانيين الموريتانيين، وتم قطع العلاقات بين موريتانيا والسنغال، كما كانت موريتانيا تواجه عزلة دولية، مما جعلها تعترف بإسرائيل في خطوة تهدف إلى تحسين علاقاتها مع الدول الغربية، لتكون واحدة من ثلاث دول عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
- 2005: انقلاب بقيادة العقيد اعلي ولد محمد فال.
- 2008: الإطاحة بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من قبل الجنرال محمد ولد عبد العزيز. ولكنه استقال سنة 2009 بعد انتخابات شهدت دعمًا دوليًا، على الرغم من وجود انتقادات ومعارضة محلية.
- 2019: انتخاب محمد ولد الغزواني، مما شكّل تحولًا نحو الاستقرار السياسي النسبي.
موريتانيا اليوم: بين التحديات والفرص
رغم الأزمات التي مرت بها موريتانيا، إلا أنها تظل دولة ذات إمكانات اقتصادية هائلة. إذا تمكنت من استغلال ثرواتها الطبيعية، وتحسين بنيتها التحتية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، فقد تتمكن من تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية.
![]() |
| صورة لأحد الشعراء الموريتانين |
موريتانيا، التي تُعرف بلقب "بلد المليون شاعر"، ليست مجرد دولة صحراوية، بل أرض غنية بالتاريخ والثقافة والثروات. مستقبلها يعتمد على قدرتها على مواجهة التحديات واستثمار مواردها بشكل مستدام، مما قد يجعلها في يوم من الأيام نموذجًا للتنمية في إفريقيا.
%20(1)%20(1).webp)




تعليقات
إرسال تعليق
نحن نؤمن أن كل قارئٍ يحمل بداخله سؤالًا ينتظر الإجابة، وفضولًا يستحق الإشباع، وروحًا تستحق الرفق، ونحن هنا لننصت، نفهم، ونشارك، فلا تبخل علينا بصوتك.